لست متيقناً، وأعتقد أن كثيرين في العالم بأكمله غير متيقنين إن كان الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، سيفي بوعده الذي قدمه للناخب الأمريكي بأنه سيوقف كل حروب العالم، وأن لديه القدرة على فعل ذلك. هذا الوعد لا يغري الناخب الأمريكي فقط، وإنما العالم كله يبحث عمن ينقذه من حالة التوسع في انتشار الحروب في العالم بسبب الفشل في إيقاف المتسببين بها، خاصة حكومة نتانياهو والميليشيات المتطرفة.
عودة مرشح الحزب الجمهوري ترامب، الرئيس الأمريكي السابق والمستقبلي، إلى مقر البيت الأبيض في واشنطن بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية على منافسته مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، تعيد العالم إلى مرحلة الترقب والتنبؤ غير الجازم بما قد يحدث أو يتغير، بل القلق أن يتفاجأ العالم من قرارات أو مواقف وحتى المقارنة بين تصريحاته وممارساته.
هناك شك في قدرة ترامب على إيقاف الحروب سببه شخصيته الحادة في التعامل مع الأزمات، فهو شخص مجرب في التعامل مع سياساته، بل إن لديه القدرة على خلق توتر في العالم، وقد هدد منذ أيام قليلة كل من يتعامل بعملة غير الدولار، كما هدد «حماس» إن لم يفرجوا عن الأسرى، فهو بذلك يخلق بيئة أمنية وسياسية غير مستقرة ولا تبرد الأجواء المتوترة بقدر ما أنه يزيد من إشعال المناطق الملتهبة.
في الولاية الثانية للرئيس ترامب، من المتوقع عودة سياسة أمريكا أولاً، أي دعم الصناعات الأمريكية ومواجهة التحديات والمهددات التي تواجهها، سواء في السوق الأمريكي أم العالمي، كذلك ملفات مثل الاتفاقيات التجارية والعودة إلى التفاوض بشأنها، ومراجعة علاقات حلفاء وشركاء الولايات المتحدة وتقييمها بمفهوم الربح والخسارة والحقوق والواجبات، وملف الهجرة غير القانونية أو غير الشرعية، وما يدعم هذا الاعتقاد أن عودة ترامب هي المرحلة الثانية للرئيس الأمريكي حسب الدستور، التي عادة ما تكون أكثر جرأة في اتخاذ القرارات المتعلقة بأمريكا أولاً.
أدرك أنه من غير المنطقي أن نقدم تقييماً لسياسة معينة دون أن نعيشها وإن كان صاحبها له تجربة سابقة، وذلك للمبررات التالية، وهي أن الوضع الاستراتيجي في العالم ليس كما تركه ترامب في عام 2021، فروسيا تغير موقفها، والصين ازدادت رسوخاً في العالم .
مع هذه التغيرات العالمية، هناك حالة ترقب، بل تخوف لدى البعض من كيفية تعامل ترامب مع الملفات المهمة والحساسة، مثل ملف الحرب الروسية الأوكرانية، مع أنه وعد بأن يوقفها، وأن لديه القدرة على فعل ذلك، والوضع في منطقة الشرق الأوسط، مع أنه يتصاعد في سخونته، وكذلك العلاقات الأمريكية مع الصين وروسيا، كذلك موقفه من بعض التكتلات العالمية التي ينظر إليها على أنها لا تتوافق مع المصلحة الأمريكية وكيف ينظر لها؟ وكيف يمكن أن يتعامل معها؟
أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط والقضايا العربية، فإنه من الواضح أن دول منطقة الشرق الأوسط عدلت الكثير من سياساتها، وأصبح لديها بعض القدرة في التفكير لمصلحة الإقليم دون تدخلات خارجية؛ لذا يجب علينا قراءة المشهد واستشراف المستقبل بعقل ومنطق بعيداً عن العواطف العربية الجياشة والأمنيات والأحلام والخطابات والتحليلات العاطفية والكلمات الرنانة، مع أنني أجد أن المنطقة بدأت تتغير نحو التركيز على مصلحة الإقليم أكثر من توتره، فالتقييم الاستراتيجي من دوائر صناعة القرار يختلف كلية عن ما يتردد من خطابات عفّى عليها الزمن. ويجب علينا معرفة أن السيناريو المتوقع أن الرئيس الأمريكي سيعمل وسيتخذ قراراته حسب قناعاته ورغباته التي تصب في المصلحة الأمريكية، وهذا طبيعي ومنطقي.
منطقتنا العربية تعاني من تخمة مزمنة من المشكلات والتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، يضاف إليها الطائفية، وحسب التفسيرات فإن الحاصل في المنطقة حالياً من تصاعد الفوضى، خاصة في سوريا وغزة، هو محاولات من الفاعلين في المنطقة لتحسين وضعهم التفاوضي في مرحلة ترامب، الذي ينوي إيقاف الحرب من خلال إجبار الفاعلين فيها بالتفاهم والتفاوض، لكن هذا الأمر إن حصل فهو يسكن الأزمة أو الصراع، لكن لا يقضي عليها نهائياً، فالحلول الحقيقية تأتي من المتصارعين أنفسهم بأن المصلحة تتطلب إيقاف الحرب.
شهر أو أقل ويسكن ترامب البيت الأبيض، وبعدها سيكون الأمر أكثر وضوحاً، ولكن قبل ذلك على المتصارعين البحث في مصالح أوطانهم وشعوبهم، وعدم الاتكال أكثر على القادم الجديد إلى البيت الأبيض؛ لأنه لن يخرج عن القاعدة الأساسية في العلاقات الدولية، وهي تقديم مصلحة الولايات المتحدة ثم بقية مصالح الآخرين خاصة عند ترامب.