حينما ندرس الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وغيرها من العلوم في الولايات المتحدة الأميركية، ثم ندرسها بعد ذلك في اليابان أو روسيا أو الصين، فلن نجد اختلافا بينها، ولن نكتشف -مثلا- أن قوانين الكهرومغناطيسية متنوعة بحسب الدولة، ولن تُنتِج تفاعلات كيميائية لنفس المواد موادا متنوعة كل منها بحسب ثقافة المخبري الذي يقوم بالتجربة، ولن نجد في كتاب ما أن الخلية تحتوي على دي أن أي، وفي كتاب آخر أن نفس الخلية لا تحتوي عليه، وذلك بحسب الرأي الشخصي لكل مختص. والسبب في هذا التوافق يعود إلى كون المعلومات واحدة في كل مكان، وهي التي تفسر الأشياء بالشكل الصحيح، وأي تغيير للمعلومة العلمية بعد إثباتها يفرض على جميع الدول تغيير معلوماتها لتكون موحدة.
إن قارنا علم الطاقة مع العلوم الحقيقية، فإننا لن نجد اختلافا في شروحاته أو تطبيقاته بين الدول فحسب، بل حتى بين الأفراد في الدولة نفسها، كلٌّ له تفسير مختلف لعلم الطاقة، وكلٌّ له طريقة في علاج الناس، وكلٌّ له رأي فيما يحدث حينما يتم تمرير الطاقة أو سحبها من المريض.
وكل شخص له أداة مختلفة في التعامل مع الطاقة، فتارة تجد من يستخدم الكريستالات للعلاج، وتارة تجد من يستخدم اليد بحركات انسيابية وأحيانا بهلوانية مختلفة تماما عن غيره، وتارة تجد جهازا إلكترونيا مصمما منزليا لامتصاص الطاقة أو دفعها، وأحيانا تجد من يستخدم باقة نباتات كالبقدونس لطرد الطاقة السلبية، وأيضا يرش البعض الماء من الفم على الشخص، أو ينفث النار عليه، وهناك أمور أخرى كثيرة مستخدمة لا تسع لها المقالة.
ثم إن كل شخص يشرحها ليس فقط بطريقته الخاصة ليصل إلى نفس النتائج، بل يشرحها بطريقة مختلفة ليصل إلى نتائج مختلفة. اسأل عشرة مختصين في علم الطاقة عن تفسيرهم تحصل على إحدى عشرة إجابة، وستجد أن كل مختص في علم الطاقة يدعي أنه هو الذي لديه الحقيقة، وفي الحقيقة أن لا أحد منهم يمتلكها.
أنواع الطاقات
هناك أنواع متعددة من الطاقة في الفيزياء، وهي إما معروفة تماما وقد وضعت لها قوانين رياضية واضحة، ولها تطبيقات على أرض الواقع مثل طاقة الوضع والطاقة الحركية، التي تتفرع إلى طاقة كهربائية وطاقة حرارية وطاقة ذرية قوية، وما أشبهها؛ أو هناك أنواع مجهولة، يعرف العلماء تأثيرها غير المباشر، ولها قياسات واضحة بالرغم من جهلهم لمكوناتها، مثل الطاقة الداكنة، فصحيح أن العلماء ليس لديهم أي تفسير لها، ولكن قياساتهم الفلكية لها ليس فيها أدنى شك، ويمكن حسابها رياضيا ونمذجتها بالحاسوب على مستوى المجرات.
أما علم الطاقة، فليس له أي رياضيات تفسره، ولا توجد له أي قياسات علمية ولو بصورة غير مباشرة، كل ما يتوفر في هذا الحقل هو سرد قصصي وصياغة كلامية جيدة، وتجارب شخصية غير مبنية على العلم، ومشاعر نفسية يشعر بها الشخص (كل هذه المشاعر لها تفسيرات علمية لا علاقة لأي منها بطاقة خفية).
الحصان الذي يستطيع أن يحسب
“هانز” الذكي هو حصان تعلم الجمع والطرح والضرب والقسمة، واستطاع أن يجيب على الأسئلة سواء إن سئل شفاهة أو كتابة، لقد كان يرعاه ويدربه مدرس الرياضيات ومدرب الخيول الألماني فيلهلم فان أوستن، وذلك في بداية القرن العشرين. استعرضه أمام الناس، وسأله أسئلة حسابية، كأن يسأله مثلا عن حاصل جمع 2+3، فيجيبه الحصان بضرب الأرض بحافر قدمه خمس مرات. أدهش الجمهور بقدرته على الإجابة عن الأسئلة، واعتقد الناس أن هانز كان ذكيا فعلا.
قرر عالم النفس فانغست أن يتحقق من الموضوع بشكل علمي، فدرس الحصان بعدة طرق: أولا، أزال التأثيرات المختلفة من حوله، فحتى لا يتأثر الحصان بالجمهور أبعدهم من المكان نهائيا؛ ثانيا، جرب أن يقدم شخص آخر الأسئلة بدلا من فيلهلم؛ ثالثا، جرب أن يغطي عيني الحصان في بعض التجارب؛ رابعا، قدم أسئلة لم يكن يعلم بها فيلهلم قبل سؤالها، بعد أن أبعد الناس، وأزال تأثيرهم، ونحى فيلهلم إلى جنب، وقدم شخص آخر الأسئلة للحصان، فوجد أنه لم يزل قادرا على الإجابة عنها، وذلك يدل على أن فيلهلم لم يكن مخادعا.
ولكن حينما غطى عيني الحصان، أو قدم له أسئلة لم يكن يعلم بها فليلهم مسبقا، لم يستطع هانز الإجابة عنها. عندها اكتشف أوسكار أن هناك إشارات بين فيلهلم وهانز، إشارات حتى فيلهلم نفسه لم يكن يعلم بها. لقد كان هانز يضرب الأرض بحافره، فإذا ما تنفس أو تحرك فيلهلم قلِقا من أن يتعدى هانز الضربة الأخيرة استشعر ذلك فتوقف. لم يكن فيلهلم يعلم بذلك، ولا هانز، ولا الجمهور.
حينما ظهر العلم التجريبي وقزّم كل الأساليب الأخرى لفهم الطبيعة، لم يكن ليفعل ذلك من فراغ، فقد أثبت وجوده بدحض الكثير من القصص الفولكلورية والملاحظات الشخصية العفوية، واستبدلها بحقائق كاشفة ساطعة يمكن الاستفادة منها تطبيقيا على أرض الواقع.
الدواء الذي خفف من آلامنا وعالجها أتى من ضبط المتغيرات المختلفة علميا، حتى لا يُنتج دواء يؤثر على نفسية الشخص ويعالجها *يوفوريًا بشكل مؤقت، ثم يبقى المرض في محله.
فرّق العلم ما بين *تأثير بلاسيبو وبين تأثير الدواء الحقيقي، وهذا ما لم يستطع أن يفهمه مختصو علم الطاقة، فهم يقومون بحركات وطقوس ويتفوهون بكلمات ويصدرون همهمات أثناء إجرائهم للجر الوهمي للطاقة يدويا، وبقصد أو من غير قصد يوهمون المريض بأنه عولج، وما فعلوه هو مجرد إشعار المريض براحة مؤقتة (بلاسيبو)، فيظن الناس أن المختصين فعلا عالجوا المريض، فلا مختصو علم الطاقة يعلمون الحقيقة، ولا المرضى، ولا المصدقين لهم.
رغم أنني استخدمت كلمات مثل “علم” و”طاقة”، فإن هاتين الكلمتين ليستا في محلهما، فلا علم الطاقة هو علم، ولا الطاقة هي طاقة؛ ولكن كلمة “مختصون” صحيحة، فهم مختصون في الإيهام.