حافظت سويسرا على مرتبتها العالمية في مجال التنافسية، على رغم التقدم الذي أحرزته دول غربية ونامية في هذا المضمار، واستمرار ألمانيا في تسجيل فائض مهم في موازنتها التجارية الخارجية، التي يحسدها عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه. مفهوم التنافسية والمعايير التي تخوّل أي دولة احتلال مراتب متقدمة دولياً أمام دول أخرى، تتمثل بأوضاع الأسواق المحلية الاستهلاكية ومستوى التعليم العالي ومدى قوة التكوين الوظائفي لكل فرد، وأحوال سوق العمل ومدى صلابة الأسواق المالية المحلية. وعلى مسافة عشر سنوات من أزمة المال العالمية، تبقى المخاوف من أي حدث مفاجئ «يَغدُر» بأسواق المال الدولية، فيحوّل الهدوء الحالي إلى اعصار من الدرجة الخامسة، قادر على إعادتنا مرة أخرى، إلى ما هو أسوأ من عام 2007. بمعنى آخر، لا يزال اقتصاد العالم يرزح تحت وطأة خطر الأزمات التي ستطاول في المقام الأول، المصارف المركزية والنظام المالي العالمي. علماً أن دولاً كثيرة لا تزال غير «مؤهلة» لامتصاص موجة التحديث والأتمتة في البنى التحتية، والتي ستكون عاملاً جوهرياً في تقوية التنافسية، وهي معضلة بذاتها بصرف النظر عن الأوضاع المالية والمصرفية. وإلى سويسرا التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً في التنافسية، تأتي الولايات المتحدة ثانية ثم سنـــغافورة ثالثة وهولندا رابعة وألمانيا خامسة. وعلى رغم ذلك، يبقى القلق واضحاً لدى الجميع في شأن صلابة المصارف، التي يجب أن تكون واقعية وليس وهمية، وهو ما يصعب التحقق منه. وبما أن أسواق العمل الدولية أضحت مرنة أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً في ضوء نماذج حديثة تربط العاملين بالشركات، كما المهنة الحرة المتعددة والعمل والتعاقد من بُعد، لا بد على أي حكومة اعتماد مبدأ الحماية الاجتماعية لعمالها. وهذا ما سعت إليه سويسرا ولا تزال على عكس دول أخرى حتى الغربية منها، الغارقة في موازنات الرأسمالية التي لا يخرج منها سالماً إلا الأثرياء. صحيح أن عدداً كبيراً منهم يعيش في سويسرا، لكن الأمر لا يمنع حكومة برن من «تغليف» الطبقات الاجتماعية الوسطى وما دون، بغطاء يحول دون وصولها إلى خط الفقر. وفي نظرة إلى ما يحدث في سوق العمل، يُلاحظ بدء تفتّت عدد كبير من الوظائف، تحت وطأة الأتمتة وتوغل الروبوتات. لذا، يجب إيجاد الظروف القادرة على التصدي لأي صدمة، سواء كانت مالية أو اجتماعية، تحمي الوظائف البشرية في المقام الأول، في المراحل الانتقالية المستقبلية. في الأعوام العشرة الأخيرة، لم تنطو مكانة سويسرا تحت المركز الثالث عالمياً، في قائمة الدول الأكثر تنافسية حول العالم. وما يساعدها على الاحتفاظ بهذه المرتبة، قدراتها التجارية الإبداعية وفاعلية أداء شركاتها وبنيتها التحتية المتطورة. كما أثبتت قدرتها على تحويل الإبداع التجاري إلى رفع مستوى الإنتاجية، التي تلاقي شمالاً زيادة في الاستثمارات التكنولوجية، ويميناً صعوبات في نشر هذه التكنولوجيا واستعمالها داخل الاقتصاد المحلي. وكلما تعاظمت هذه الصعوبات، تراجعت قوة التنافسية لأي دولة حول العالم.
سويسرا الأولى عالميآ في مجال التنافسية
رابط مختصر
المصدر : https://zajelnews.net/?p=48175