مشكلتنا اليوم في الأردن والمتعلقة بوباء كورونا تنحصر فقط في ثقافة الإنكار, ويبدو أن ثقافة الإنكار لهذا الوباء في المجتمع الأردني قد تصل إلى ما نسبته 75%, وتعتبر هذه النسبة مرتفعة عالميا, ويؤكد الكثيرون من أصحاب الاختصاص أن مع هذه النسبة لن تنجح معها الحكومة أية حكومة في أي إجراء صحي قادم مهما بذلت تلك الحكومة من جهود كبيرة ومضنية, والمتتبع لهذا الأمر يجد أن لدى غالبية المجتمع الأردني قناعات راسخة تتمثل بعدم وجود وباء اسمه كورونا على أرض الواقع, وان حكاية هذا الوباء هي لعبة ومؤامرة دولية كبيرة لضرب الاقتصاد العالمي, وتمرير ما يسمى بصفقة القرن, والسؤال الصعب هنا هو كيف يمكن تحويل وتغيير ثقافة المجتمع الأردني من ثقافة الإنكار إلى ثقافة الاعتراف؟
يؤكد الفيلسوف الكندي (شارل تايلور) أن ثقافة الإنكار تكمن في تجنب الحقائق الواقعية غير المريحة للنفس البشرية والابتعاد عنها وعدم الاعتراف بها, والعمل على تجاهلها لأسباب قد تكون نفسية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.., وان ثقافة الإنكار هي الجذر التاريخي لثقافة القلق والخوف والحسد, ويؤكد آخرون أن ثقافة الإنكار المجتمعي على مر العصور والتاريخ الإنساني كانت في كل مرة تؤدي إلى نتائج وخيمة وصعبة ذات انعكاسات سلبية عميقة على الفرد والمجتمع والدولة معا.
كثير من شعوب الأرض أنكرت أو ربما تأخرت بالاعتراف بكثير من الحقائق الموجودة على أرض الواقع فجاءت النتائج سلبية, ومن الأمثلة على ذلك إنكار (مرض الإيدز) والذي أدى بدوره إلى زيادة أعداد المتوفين فيه, فقد تبنى (ثابو مبيكي) الرئيس السابق لجنوب إفريقيا، فكرة إنكار مرض الإيدز، وأعلن أن مرض الإيدز غير موجود, ونتيجة لذلك فقد توفي حوالي 365000 شخص بسبب الإيدز خلال فترة رئاسته, مع أن التقديرات تشير إلى أنه كان يمكن الوقاية من حوالي 343000 حالة وفاة مبكرة لو توفر العلاج المناسب من خلال تبني ثقافة الاعتراف بهذا المرض.
ثم أن إنكار (تغير المناخ) في وقتها أدى بدوره إلى تدمير كثير من المحاصيل الزراعية, وإنكار (كروية الأرض) في وقتها أدى بدوره إلى اختفاء كثير من البواخر والسفن في البحار والمحيطات, وإنكار(الأغذية المعدلة وراثيا) في وقتها أدى بدوره إلى زيادة حالات التسمم الغذائي, وإنكار (محرقة الهولوكوست) في وقتها أدى بدوره إلى ظهور اللوبي الصهيوني في جميع أنحاء العالم, وإنكار (مذبحة سريبرينيتسا) في وقتها أدى بدوره إلى تغيير كثير من قناعات واتجاهات الساسة في العالم, وإنكار (علاج الستاتين) في وقتها أدى بدوره إلى زيادة عدد المصابين بأمراض القلب, والأمثلة كثيرة لا يمكن حصرها في هذه العجالة.
واليوم تطل علينا ثقافة الإنكار للأسف الشديد من خلال عدم قناعة واقتناع كثير من أفراد المجتمع الأردني منذُ البداية والتي أدت بدورها إلى عدم الأخذ بالإجراءات الوقائية والصحية التي اتخذتها الحكومة وتتخذها وشهد لها العالم أجمع وكانت محط إعجاب كثير من الدول, فقد أهملنا التباعد الاجتماعي في جميع صوره, وأهملنا ارتداء الكفوف والكمامات, وأهملنا التعقيم عن اللزوم, وتخلينا عن المكوث في البيوت إلا للضرورة القصوى, وان هذا الإنكار والاستهتار بهذا الوباء أدى إلى زيادة أعداد المصابين والمعرضين للإصابة والمتوفين رحمهم الله في المملكة في المرحلة الثانية والتي تعتبر الأخطر في مراحل هذا الوباء, وقد نصل لا قدر الله ونتيجة لثقافة الإنكار المجتمعي والتي تصل إلى 75% إلى انهيار النظام الصحي في الأردن انهيارا يصعب معه إعادة بناء من جديد.
علينا كمجتمع أردني أن نتحمل المسؤولية الأخلاقية كاملة, للخروج من هذا الوضع الصحي المقلق والذي يهددنا كأفراد وكمجتمع ودولة وأن نتحول من ثقافة الإنكار لهذا الوباء, إلى ثقافة الاعتراف بهذا الوباء, من خلال الالتزام الكامل بجميع الإجراءات الوقائية والصحية التي تتخذها الحكومة بغض النظر عن اتجاهاتنا نحو الحكومة وثقتنا بها, فثقافة الاعتراف بهذا الوباء ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بتركيبة الحكومة, ولا بثقتنا بالحكومة أو عدم ثقتنا بها, ولا بحجم الفساد أو قلته, ولا بتكفير فلان أو عدم تكفيره, ثقافة الاعتراف بهذا الوباء تلغي ثقافة الإنكار به وبالتالي نكون أكثر التزاما وقناعة بالإجراءات الوقائية والصحية, والتي بدورها تعمل على حصر أعداد المصابين تدريجيا إلى أن يتلاشى وينتهي بإذن الله.
اعتقد جازما أن كثير من وسائل الإعلام المحلية والإقليمية وربما الدولية أشغلت مطولا على أن وباء كورونا هو لعبة ومؤامرة دولية كبيرة لضرب الاقتصاد العالمي, وتمرير ما يسمى بصفقة القرن, وهذا قد يبرر خلفيات ثقافة الإنكار التي سادت المجتمع الأردني وما زالت حول وجود وباء كورونا على أرض الواقع أم لا, لكننا نقول هنا حتى لو كان وباء كورونا لعبة ومؤامرة دولية كبيرة لضرب الاقتصاد العالمي, وتمرير ما يسمى بصفقة القرن, فهو موجود على أرض الواقع وعلينا أن نلتزم بالإجراءات الوقائية والصحية التي اتخذتها الحكومة وتتخذها, وإلا سنندم وعند ذلك لا ينفع الندم.
وبعد, مشكلتنا اليوم تنحصر في ثقافة إنكار كورونا, لكن كيف يمكن لنا تحويل وتغيير ثقافة المجتمع الأردني من ثقافة الإنكار إلى ثقافة الاعتراف؟ الجواب: عند الحكومة القادمة..
رشيد عبّاس – مشكلتنا في إنكار كورونا
رابط مختصر
المصدر : https://zajelnews.net/?p=106472