“عانس” لقب كنا نطلقه من قبل على كل من تأخر سن زواجها وكأنه سبه تحاسب عليها الفتاة، إلا أن واقع الحال قد اختلف كثيرا الآن وبات هناك عوانس من نوع آخر .
فقد ازدادت في الفترة الأخيرة العنوسة عند الرجال حيث أرتفع سن الزواج عند الشاب السعودي بشكل ملحوظ ، وأصبح هناك رجال تجاوزا الثلاثين بل والأربعين غير متزوجين .
و نتساءل ما السبب وراء عنوسة الرجال وهل للعولمة والانفتاح دور في تأخر سن الزواج ، أم أن العامل المادي وغلاء المعيشة سيظل هو العائق أمام الشباب .
العيش بمفردي
عم حسن حارس مدرسة بنات عمره على ما يبدو تجاوز الأربعين وربما الخمسين ، اقتربت منه وسألته عن علامات الحزن التي دائما أراها على وجهه وحاولت أن أتعرف على أسرته ، إلا أنه فاجأني بأنه غير متزوج ، وعندما سألته عن السبب في عزوفه عن الزواج ، أجابني قائلا الزواج هو الذي عزف عني ، وتذكر معنا شبابه وعمره الذي ضاع دون ابن أو بنت يقفا بجواره ويشدا أزره، وقال : لم يكن معي ما يساعدني على الزواج فراتبي إلى الآن لم يصل ثلاثة ألاف ، وأجلس في غرفة صغيرة في حي شعبي ، وتابع كلامه أعترف أني حلمت كثيرا بمنزل وأسرة وزوجة وأبناء، إلا أني شعرت أني سأظلم أبنائي فليس معي ما يساعدهم على العيش بحياة كريمة ولذا شعرت أن الأفضل هو البقاء لحالي وبمفردي.
عبد الله 35 عام غير متزوج قال: بالرغم من أني تجاوزت الثلاثين إلا أني أشعر بعدم رغبة في الزواج ، ولا يوجد ما يؤرقني في ذلك ، وتابع قائلا حالات الطلاق قد ارتفعت بشدة في الفترة الأخيرة والأفضل لي أن أصبح عانس بدل ما أصبح مطلق.
المفاخرة والمنظرة
أما كريم 32 عاما قال : بكل صراحة العامل المادي هو السبب الرئيسي في تأخر سن زواج الشباب ، فكيف لشاب مازال في بداية حياته ولدية طموحات وأحلام يريد تحقيقها أن يقبل على الزواج بكل التعقيدات الموجودة الآن من مهر وشقة، غير اشتراطات والد العروس من إقامة الحفل بمواصفات معينة ومكان محدد، وأعرب عن آسفة من بعض التقاليد التي مازالت موجودة داخل المجتمع من المفاخرة والمنظرة والتي أصبحت تعيق بشكل كبير زواج الشاب وأيضا زواج الفتاة .
وعن أراء الشباب في ارتفاع معدل الزواج عند الرجل قال عبد الرحمن 27 عاما ، العالم الآن انفتح بشكل كبير وأصبح هناك أولويات عند العديد من الشباب ، فالكثير يحلم بالسفر والدراسة في الخارج وليس في الزواج والاستلاف والديون، للوفاء بمتطلبات زواج ربما لا يستمر طويلا فيما بعد .
العلاقات المفتوحة
أما شريف 30 عاما فقال :طريقة الزواج الموجودة الآن لم تعد تناسب العصر الذي نعيشه، فلا يصح لشاب في 2012 م أن يتزوج بعقلية أب تزوج في 1949 وهذا بالضبط ما تريده الأسر الآن ، وقال : والدي ووالدتي ليس لديهم شيء سوا الإلحاح علي بالزواج ، وكل يوم تقول لي والدتي ” العائلة مليئة بالبنات المحترمات ” فلماذا نبحث في الخارج .
و أعترف عماد بعدم ثقته في الفتيات وقال : لقد تعرفت على العديد من الفتيات على الانترنت وتبادلنا وتجاذبنا الحديث سويا ، وعندما أشعر بميل لواحدة معينة اشعر بالقلق فأنا لا أعرف هل تحدثت مع أحد غيري وكم عدد علاقتها ،” فعالم النت” جعلني لا أثق في الفتيات .
إلا أن العامل المادي يظل هو السبب الرئيسي في تأخر سن الزواج وهذا ما أكده العديد من الشباب الآخرين الذين يعانون من بطالة و ضعف الدخل المادي.
الموروثات القبلية
في البداية أكد المستشار الأسري الدكتور عبد الآلة جدع أن العامل المادي والتزامات الزواج تقف عائقا بدرجة كبيرة أمام العديد من الشباب في بعض الطبقات ، معربا عن آسفة من بعض الموروثات القبلية التي تتباهى وتتفاخر بارتفاع المهور ، مما جعل الشباب يفكرون كثيرا قبل الزواج حتى لا يخرج في النهاية مديون .
وأشار إلى أن اختلاف العصر جعل أمام الشباب بدائل كثيرة ، فمع تقدم التكنولوجيا وظهور أجهزة حديثة ، أصبحت تسهل عمل علاقات وصداقات وربما أعمق من ذلك ، مما جعل الشاب يرى أنه لا سبب لربط نفسه بزواج من امرأة واحدة ، فهو باستطاعته التعرف على العديد ، خاصة في حالة غياب الوازع الديني ، مشيرا إلى أن الفتاة ساهمت بشكل غير مباشر في ترسيخ هذا الفكر عند الشاب .
المرأة هي الخاسر الأكبر
وأضاف قائلا : الرجل الشرقي لدية عقده مزمنة، دائما ما نراه يتشدق بالعصرية والمدنية إلا أن واقع الحال غير ذلك خاصة في الزواج ، وقال: من لديه وازع ديني تجده غير واثق بالفتاة ، ومن ابتعد عن الدين تراه يضيع وقته وعمره في علاقات غير شرعيه، مشيرا إلى أن الانفتاح الموجود الآن زاد من قلق الشاب وخوفه من الدخول في علاقة زواج.
ورأى جدع أن المرأة هي الخاسر الأكبر وهي التي تساعد بشكل غير مباشر ، فموافقتها على إقامة علاقات عبر الانترنت وخلافة يجعلها تساهم بشكل كبير في عدم ثقة الشاب في من يتزوجها.
ونصح الشباب بالتفكير المبكر في الزواج قائلا :” الوقت ليس بصالحك فسيأتي يوم ترى نفسك بمفردك دون زوجة أو أولاد ولا بدائل ربما تجدها الآن ولم تجدها فيما بعد فإحساس الوحدة قاتل” .
وبين أن الشباب ضحايا ، فالأسرة اليوم بعيدة عن بعضها كل في غرفته، وأنهى حديثه قائلا : الشاب ليس ملاك فهو في النهاية بشر يحتاج إلى تقويم ونصيحة واعتدال.
البطالة
وأتفق أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود الدكتور سعود ضحيان مع جدع في أن العامل المادي أضحى مشكلة كبيرة أمام الشباب في ظل المبالغ الخيالية التي يطلبها والد العروس، متناسيا قدرات الشباب والمشاكل والمعوقات الموجودة في المجتمع ، مشيرا إلى أن زيادة نسبة البطالة داخل المجتمع هي السبب الرئيسي في تأخر سن الزواج ، وقال : كيف لشاب يفكر في قوت يومه أن يبحث عن الزواج !
وأشار إلى أنه بكل أسف الزواج لم يعد هو العامل الوحيد للوصول إلى العلاقة الزوجية، وبات هناك العديد من العلاقات المفتوحة التي جعلت الرجل يعزف عن فكرة الزواج ، كما أن هناك العديد من الشباب أصبح السفر وحلم الإبتعاث هو الهدف والحلم بالنسبة لهم .
خوف ورهبة
أما المستشار في مركز مودة مطر الزهراني قال الشاب غير مؤهل نفسيا للزواج ورهبه الطلاق والخوف من الفشل تشكل هاجزا كبيرا يؤرق العديد، ولذا من المهم جدا تواصل الشاب مع مراكز تأهيل المتزوجين لتعلم كيفية التعامل والتفاعل، فالزواج ألفه ومحبه قبل كل شيء مشيرا إلى ضرورة وجود توعية للشباب بأهمية الزواج فهو كما سماه الله تعالى ” سكن ” للزوجين .
وأرسل نصيحة للأسر بعد المبالغة في المهور وقال للشباب: الاختيار الصحيح من البداية هو أهم ما في الزواج فالزوجة الصالحة هي من تساعدك في تحقيق أحلامك وطموحاتك، وهي من ستقف بجواره.