يتصور الكثير من الناس أن ألعاب الكومبيوتر القتالية، تزيد من النزعة العدوانية لدى اللاعبين وتضعف مشاعر العطف لديهم، باعتبار أن مثل هذه الألعاب تجعل العنف أمراً مألوفاً وطبيعياً.
لكن هذا التصور لم يصمد أمام البحوث التي أجريت حديثاً، وبينت أن الذين يدمنون على ألعاب الفيديو العنيفة لا يتأثرون بها في الأجل الطويل، بحسب صحيفة Daily Mail البريطانية.
وقام الباحثون بقياس إشارات المخ لدى 15 من المدمنين على هذه الألعاب، واكتشفوا أن الاستجابات العصبية المرتبطة بالعاطفة لم تتأثر بعد ساعات طويلة من الألعاب العنيفة.
وللبرهنة على ذلك، استخدم الخبراء في كلية هانوفر الطبية، في ألمانيا، التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) عند مدمني ألعاب الفيديو العنيفة على المدى الطويل، واكشفوا أن استجاباتهم العصبية لصور استفزازية عاطفياً لا تختلف عن استجابة غير اللاعبين.
وقد ربطت العديد من الدراسات السابقة بين اللاعبين لفترات طويلة لألعاب الفيديو العنيفة وبين تدني مستوى شعورهم بالتعاطف، غير أن فريق هانوفر يعتقد أن هذه التأثيرات موجودة فقط على المدى القصير، ولا تستمر أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات.
وقال الباحثون في دراستهم إن “العلاقة بين وسائل الترفيه العنيفة، مثل الأفلام العنيفة وألعاب الفيديو، وبين العدوان على أرض الواقع والعنف، قد تمت مناقشتها وتحليلها منذ نشأة هذه الأنواع من وسائل الترفيه”. واتخذ هذا النقاش شكلاً من أشكال هستيريا التابلويد، فضلاً عن تناول العديد من الدراسات العلمية هذه المسألة”.
يذكر أن دراسات سابقة أظهرت أن الأشخاص الذين يدمنون ألعاب الفيديو العنيفة يمكن فقدانهم الإحساس تجاه المثيرات العاطفية —مثل العنف- وأوضحت هذه الدراسات أيضاً انخفاض شعور التعاطف، وزيادة النزعة العدوانية.
وصرح عالمان من علماء النفس البريطانيين أن ألعاب الفيديو العنيفة يمكن أن تسفر عن أثر اجتماعي إيجابي، ودليلهما على ذلك، بأن ارتفاع مبيعات الألعاب العنيفة تزامن فعلاً مع انخفاض معدلات الجريمة العنيفة.
وللبرهنة على طرحهما، قارن الباحثان بيانات تخص مبيعات ألعاب الفيديو عبر الدول المختلفة، وقالا في كتاب جديد لهما حول هذا الموضوع “عندما ننظر إلى هذه البلدان، نجد أن في الوقت الذي كنا نخشى من أن تسبب ألعاب الفيديو في زيادة خطورة المجتمع، اتضح لنا في واقع الأمر أن العكس هو الذي حدث”.
وأضافا في الكتاب، “إن البلدان الأكثر استهلاكاً لألعاب الفيديو، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، هي من بين البلدان الأكثر أماناً في العالم”.
وقال الدكتور غريغور سيشيك، المسؤول الرئيس عن هذه الدراسة ‘لم تجر سوى القليل جداً من الدراسات التي بحثت في الآثار الطويلة الأجل الناجمة عن ألعاب الفيديو العنيفة”، مضيفاً بأن الحاجة إلى هذه الأبحاث برزت بعد أن واجه فريق العمل أعداداً متزايدة في عياداتهم من المرضى الذين يعانون من حالات إدمان إشكالية وقهرية لألعاب الفيديو.
وكان جميع المشاركين في الدراسة من الذكور، باعتبار أن نسبة مستخدمي ألعاب الفيديو العنيفة وذوي السلوك العدواني، هم في معظمهم من الرجال، لعب جميعهم لعبة مثل Call of Duty، أو Counterstrike خلال ما لا يقل عن ساعتين يومياً على مدى السنوات الأربع الماضية.
ولعب متوسط مشاركي الألعاب، ما معدله أربع ساعات يومياً، ثم تمت مقارنة اللاعبين بنظراء لهم لم يسبق لهم استخدام ألعاب الفيديو العنيفة ولم يلعبوا ألعاب الفيديو العادية بشكل منتظم.
ولتجنب الآثار على المدى القصير الناجمة عن ألعاب الفيديو العنيفة، امتنع اللاعبون عن اللعب لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات قبل بدء التجربة، بل قد امتنع غالبيتهم لفترة أطول من ذلك بكثير، وهو ما غيّر منحى نتائج هذه الدراسة التي كشفت الآثار الطويلة الأجل المترتبة عن لعب مثل هذه الألعاب.
ولتقييم مدى قدرتهم على الشعور بالتعاطف والعدوان، أجاب المشاركون على استبيانات نفسية، بعد أن عرضت عليهم أثناء عملية مسح بواسطة جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي، سلسلة من الصور تهدف إلى إثارة ردود فعل عاطفية وتعاطف.
وأما لعبة GTA، فتعتبر إحدى أكثر لعب الفيديو نجاحاً على الإطلاق، لكنها تشكل بالمقابل إحدى اللعب الأكثر إثارة للجدل.
في هذه اللعبة، يتقمص اللاعبون شخصية مجرم المدن الكبرى، يتسكع في أرجاء محيط عمراني خيالي ويحرز تقدماً في مشواره عن طريق سرقة السيارات والمركبات الأخرى، متملصاً من قبضة الشرطة.
صدرت لعبة GTA لأول مرة في عام 1997، ثم أدخل عليها تعديلات منذ ذلك الحين لتطور حلتها عشر مرات على الأقل، آخرها GTA V.
وأثارت اللعبة الكثير من الجدل لما تتضمنه من عنف ومواقف متحيزة ضد المرأة، وكثيراً ما استفادت من الدعاية الضخمة الناشئة عن هذا الجدل.
وبتزامن مع ظهور الصور، طلب من المشاركين تخيل كيف سيكون شعورهم في الحالات التي يشاهدونها.
ومن خلال استخدام الماسح الضوئي التصوير بالرنين المغناطيسي، قام الباحثون بقياس تفعيل مناطق محددة في الدماغ لمقارنة الاستجابة العصبية بين اللاعبين وغير اللاعبين.
وكشف الاستبيان النفسي غياب اختلافات ملحوظة في قياسات مستويات النزعة العدوانية والتعاطف بين اللاعبين وغير اللاعبين.
دعمت هذه النتيجة مجموعة البيانات لتصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي، التي أظهرت نفس الاستجابات العصبية على الصور الاستفزازية عاطفياً، سواء لدى اللاعبين أو غير اللاعبين. وقد فاجأت هذه النتائج الباحثين، بتعارضها مع فرضيتهم الأولية، وإشارتها إلى أن أي آثار سلبية ناجمة عن ألعاب الفيديو العنيفة، سواء من حيث التصور أو السلوك قد تكون قصيرة الأجل.
ومع ذلك، يقر فريق البحث، أن المسألة تحتاج إلى مزيد من البحث. قال الدكتور سيشيك “نأمل أن تشجع هذه الدراسة مجموعات بحثية أخرى لتركز اهتمامها على الآثار المحتملة على المدى الطويل لألعاب الفيديو على السلوك البشري”.
وأوضح قائلاً، “لقد استخدمت هذه الدراسة الصور المستفزة عاطفياً، وستكون الخطوة التالية بالنسبة لنا تحليل البيانات التي تم جمعها تحت المزيد من التحفيز الصحيح، مثل استخدام أشرطة الفيديو لإثارة ردود فعل عاطفية”.