يعتبر الأمن الاقتصادي أحد مكوّنات المنظومة الأمنية المتكاملة، التي يجب أن تتوافر في أي دولة تسعى إلى تحقيق رفاهية ورخاء وسعادة واستقرار أفرادها.
وذلك من خلال تأمين حياتهم ومصالحهم ومنجزاتهم من كافة الأخطار التي قد تحيق بهم، لذلك فإن الأمن الفاعل هو الأمن الشامل لكافة الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وقال المستشار محمد صلاح العطيوي مستشار قانوني أول،
رئيس المكتب الفني في اللجنة العلـيا للتشريعات في إمارة دبي: «يقصد بالأمن الاقتصادي، حماية المصالح والمنجزات والمكتسبات الاقتصادية التي حققها المجتمع.
وتوفير سُبل التقدم والرفاهية للمواطنين والمقيمين فيه، وتمكين أفراده وفئاته وقطاعاته المختلفة من امتلاك الوسائل المادية والمعنوية وتشغيلها على النحو الذي يمكنهم من أن يعيشوا حياة مستقرة».
وأضاف: «من خلال التحديد السابق لمفهوم الأمن الاقتصادي، يتضح أن عناصر هذا الأمن عديدة لا يمكن حصرها.
ومختلفة في شتى المجالات، لأنها تتصل وترتبط بشكل وثيق بالمقوّمات الأساسية لضمان الحياة الفضلى والمستقرة، وتمكين الناس من تأمين معيشتهم،
ولعل من أهم عناصر هذا الأمن الأمن الغذائي والمائي، وذلك من خلال توفير الغذاء والماء،
وأمن مزاولة الأنشطة الاقتصادية، وذلك من خلال المحافظة على البيئة الداعمة لمزاولة الأعمال والأنشطة الاقتصادية.
لأنها تعتبر المصدر الأساس لدخل الفرد من جهة، وللدخل القومي من جهة ثانية، وكذلك الأمن المرتبط باستقرار السياسات الداخلية والخارجية،
فمن دون هذا الاستقرار لا يمكن تحقيق التنمية الشاملة، ولا يمكن استقطاب الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية،
وأمن المنشآت الاقتصادية، باعتبارها من أهم المنجزات الهامة التي تهدف إلى تحقيق التنمية في المجتمع.
إضافة إلى الأمن المالي والمصرفي، وذلك من خلال حماية التعاملات التي تتم في هذا القطاع الحيوي والهام، من أي تجاوز
يؤثر على استقرارها أو زعزعة الثقة بها، وأمن المعلومات يعتبر في وقتنا الحاضر من أهم عناصر الأمن الاقتصادي،
بعد أن أصبح التعامل بواسطة التقنيات الحديثة من سمات هذا العصر.
والمحافظة على أمن المعلومات سيحد من قضايا التزوير والتدليس والأخطار المدمرة للمنشآت المالية بصفة خاصة والاقتصادية بصفة عامة،
وسوف تمكن المؤسسات من أداء عملها بشكل سليم لا يسمح باستغلاله أو اختراقه للتأثير على الاقتصاد الوطني».
مقومات
وأوضح العطيوي أن هناك مقومات أساسية لا بد من توفيرها لتحقيق الأمن الاقتصادي، من أهمها،
وجود مؤسسات متخصصة قادرة على مواكبة المتغيرات في الممارسات السلبية المؤثرة على عناصر الأمن الاقتصادي،
ومواجهتها، ووجود أجهزة قضائية قادرة على التعامل مع المتغيرات السلوكية والتقنية المؤثرة عليه،
وتعزيز الحس العالي لدى الموظفين وأفراد المجتمع وفئاته بأهمية الأمن الاقتصادي.
ومكافحة الفساد، باعتباره سرطاناً ينخر في جسم المجتمع، ويؤثر على الوظائف الاقتصادية المختلفة فيه،
وهدر مقدراته، بالإضافة إلى إيجاد الآليات التنفيذية اللازمة لمواجهة كافة أشكال وصور الفساد،
ووجود منظومة تشريعية متكاملة وسياسات واضحة وبرامج متينة تهدف إلى مواجهة ارتكاب الجرائم الاقتصادية.
التخطيط الوقائي
وأشار إلى أنه أمام تنامي ظاهرة الجريمة الاقتصادية وتأثيرها على الأمن الاقتصادي، سارعت العديد من الدول إلى اتخاذ حزم من التدابير الاحترازية،
لاحتواء تداعيات الجرائم الاقتصادية وإبطال مفعولها، وذلك من خلال ما يسمى بـِ«التخطيط الوقائي».
وهو عبارة عن مجموعة الإجراءات التي تتخذها الجهات المختصة بمكافحة الجرائم الاقتصادية، المعتمدة على استخدام طرق علمية قادرة على التنبؤ بمسار المتغيرات الاقتصادية المتسارعة، للسيطرة على الجرائم الاقتصادية قبل وقوعها، بكفاءة وفعالية، وهذا التخطيط لا تقع مسؤوليته على عاتق الأجهزة الأمنية فحسب، فهناك مهام يجب أن يتحملها جهاز الأمن الاقتصادي.
وخصوصاً في ما يتصل بتوفير المعلومات الأساسية المرتبطة بالمتغيرات الاقتصادية، لعل من أهمها، تحليل الخارطة السكانية،
تحديد الفوارق والتمايزات الاجتماعية، مستويات التعليم، أوضاع سوق العمل، معدلات البطالة، العادات الاستهلاكية، والأضرار التي قد تنجم عن السلوك الإجرامي.
ريادة
وأضاف: «لقد خطت دبي خطوات متقدمة على درب الريادة كمركز مالي واقتصادي آمن، مع إصدار القانون رقم «4»بشأن مركز دبي للأمن الاقتصادي والذي مهد الطريق أمام تعزيز الاستقرار المالي وحماية الاستثمارات وترسيخ حضور دبي كوجهة عالمية رائدة في مجال المال والأعمال.
حيث وضع القانون حجر الأساس لتعزيز ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية بدبي كمركز لأعمالهم، مع ضمان سلامة القواعد والإجراءات والعمليات المالية، مقدماً إطاراً واضحاً لضمان تطبيق أفضل الممارسات العالمية في أسواق المال المُصرّح لها محلياً، فضلاً عن مواجهة المخاطر الاستثمارية ومكافحة الأنشطة الضارة بأسواق المال».
ويعد إصدار القانون رقم «4» ترجمةً ناصعة للرؤية الثاقبة للقيادة الرشيدة في الارتقاء بالمنظومة التشريعية بما يواكب متطلبات المسيرة التنموية الطموحة ومتغيرات القرن الـ21،
ولا سيّما أنه أثمر عن إطلاق «مركز دبي للأمن الاقتصادي» ليكون دفعة قوية باتجاه جعل دبي واحة للأمان الاجتماعي والاستقرار والنمو الاقتصادي.
جهود
يمضي مركز دبي للأمن الاقتصادي قدماً في دعم جهود دبي لاستشراف وصنع المستقبل، مقدماً مساهمات بارزة في تعزيز الثقة بريادة دبي كملاذ آمن للاستثمار ودفع مسار النمو الاقتصادي المستدام، عبر خلق بيئة قادرة على استقطاب استثمارات جديدة وتشجيع النشاطات الاقتصادية القائمة على تعزيز الإنتاجية والابتكار،
بما يحقق غايات «خطة دبي 2021» في جعل دبي «محوراً رئيساً في الاقتصاد العالمي».
ولأنّ تطلعات دبي لا تقف عند حد، فإنّ المركز وبالتعاون والتنسيق مع الأجهزة الرقابية والقضائية في الإمارة، سيواصل بلا شك تطوير آليات الاستقرار المالي والاقتصادي والاستثماري وتشديد الحماية من المخاطر المحتملة، بالاعتماد على أفضل الممارسات العالمية المعززة لمناعة وقدرة اقتصاد الإمارة على مواجهة الأزمات المحيطة.