الكتاب الأول خطوة على طريق طويل، خاصة إن كان مجال المؤلف هو الكتابة الأدبية، فالأدب طويل سُلّمه حقاً كما قالوا قديماً، والأديب الجيد بطبيعته متطور، وأدواته دائماً في تجدد، مما يغير نظرته عن الكتابة، ففي وقت يعتقد في شكل ما أنه الأمثل للإبداع، قبل أن يهجر ذلك الشكل ويبحث عن غيره.
زاجل نيوز، ٢٨، حزيران، ٢٠٢٢ | مقالات
في فورة المحبة للنشر، قد يدفع بعض الكتاب إلى الناشرين أو المطابع نصوصهم الأولى، ورغم القلق الذي ينتاب الكثيرين بشأن الثقة في النفس وجودة العمل، وهو قلق يصيب حتّى الكتاب المتمرسين، وهو المشار إليه في بعض الكتابات النقدية ب«قلق المبدعين»، فإن الحصول على لقب «مؤلف كتاب كذا» أمر يحمل من البريق الكثير.
بعد فترة من طرح العمل الأول، يشعر الكثير من المبدعين أن إنتاجهم لا يعبر عنهم، وغالباً يشعرون بشيء من الخجل حال الحديث عنه، مما يدفع بهم إلى إسقاطه من ذاكرتهم الإبداعية، هنا نتذكر موقف الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش من ديوانه الأول «عصافير بلا أجنحة»، الذي أسقطه من ميراثه الشعري، وهو لا يزال على قيد الحياة.
في أكثر من موقف يتنكر درويش من الديوان الذي صدر في العام 1960، وصاحبه لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، ولأن الديوان محاولة حالمة بنيت في الأساس على الشكوى الرومانسية والتعبير الحالم، وهو ما تطور بعدها إلى محاولات أكثر نضجاً تقدم شعر الرفض بمعناه الحقيقي، بدا في نظر صاحب الجدارية «عملًا لا يعبر عنه».
وفي حوار مع الناقد اللبناني محمد دكروب لمجلة الطريق، أوضح درويش أن «أول ديوان مطبوع لي، لا يستحق الوقوف عنده، كنت في سنتي الدراسية الأخيرة، وعمري لم يكن تجاوز 18 سنة عندما كتبت قصائده، وكان تعبيراً عن محاولات غير متبلورة»، قبل أن يضيف مع الصحفي اللبناني عبده وازن في حوار لمجلة «الكرمل»: «قصائد مراهقة شخصية، صدرت في أيام الفتوّة».
ليست كل الأعمال الأولى يمكن أن تصيب بالخجل، فمن الطبيعي أن أي شخص يمكنه كتابة «بيست سيلر» أو أن يحقق مؤلفه نجاحاً مذهلًا من اللحظة الأولى، أحياناً يكون كل ما يتطلبه الأمر هو الشغف أو التشجيع أو الرغبة في سرد قصة محبوكة، أو حتى مجرد حلم ملهم. بالفعل، اكتسب بعض الكتاب العالميين شهرة في سن مبكرة، وكل منهم كان لديه روايات أولى ناجحة، قذفت بهم من بوابة الشهرة، ويمكن أيضاً أن يكون بعضهم لم يقصد ذلك، لكنهم محظوظون كذلك بالقراء الذين تابعوا إنتاجهم.
الناقد والصحفي الأمريكي ياكوب بانكروفت يرصد عدداً من الأدباء حققوا شهرة طاغية منذ كتابهم الأول، أولهم ماري وولستُنكرافت شِيلي، الكاتبة الإنجليزية وزوجة الشاعر بيرسي شيلي، التي دخلت عالم الأدب من مؤلفها «فرانكشتاين».
تعرضت كاتبة فرانكشتاين لضربة قوية في سن مبكرة، عندما توفيت والدتها، وساءت الأمور عندما تزوج والدها من ماري جين كليرمونت، التي لابد أنها كانت مصدر إلهام لزوجة والد سندريلا الشريرة. في وقت لاحق من حياتها، كافحت ماري شيلي مالياً وفقدت طفلها الأول بعد أيام قليلة من ولادتها. بعد عام من ذلك، وبينما كانت تستمتع بوقتها مع عائلتها، خاضت أولى محاولات كتابة قصص الرعب، لتقدم «فرانكشتاين» أو «إله النار الجديد»، التي تروي قصة فيكتور فرانكنشتاين، عالم شاب يخلق مخلوقاً غريباً عاقلًا في تجربة علمية غير تقليدية
الأمريكية ستيفاني ماير، اشتهرت بسلسلة مصاصي الدماء الرومانسية Twilight، وترجمت كتاباتها لحوالي 40 لغة، وباعت مؤلفاتها نحو 70 مليون نسخة، وربحت فعلياً ملايين الدولارات، وهي لم تنشر من قبل أي شيء، ولم ترَ نفسها كاتبة، لكنها كانت مصممة على نشر كتابها الخاص، بعد أن ألهمها حلمٌ أن تكتب عن فتاة عادية وقعت في مثلث حب بين مصاص دماء ومستذئب، فنشرت رواية «الشفق»، لتصبح واحدة من أشهر الكاتبات.
ولا تقلّ قصة ماير غرابة عن حكاية جوان رولينج أو المعروفة باسم «جي كي رولينج»، واحدة من أكثر الكاتبات نفوذاً على قيد الحياة اليوم، خاصة بعدما نشرت سلسلتها «هاري بوتر»، وهي التي كافحت لإيجاد هدف لحياتها بعد طلاقها، وانتقلت إلى إنجلترا مع ابنتها الصغيرة لتكون أقرب إلى أختها، وأثناء وجودها هناك، كانت رولينج في حالة رفاهية، وواجهت مشكلة في إعالة نفسها وطفلها. في أحد الأيام، خطرت لها فكرة لقصة عن ساحر شاب يحمل ندبة صاعقة على جبينه أثناء وجوده في القطار، وسرعان ما عملت على كتابة روايتها الأولى.
الأمر ليس يسيراً إلى هذه الدرجة، والأحلام لا تتحقق برمية نرد، فالرواية رفضت مرات عدّة من بعض الناشرين، حتى استطاعت أن تبيع حقوق الفكرة بمبلغ 4 آلاف دولار، وهو مبلغ زهيد، وسرعان ما أصبحت الرواية أحد أشهر المؤلفات العالمية.
ولا يتوقف النجاح على الكتب الروائية فقط، فمن منا لم يسمع أو يقرأ عن مؤلفة كتب الطبخ، الأمريكية إيرما إس رومباور، ورغم أن هناك الآلاف من كتب الطبخ، فإن كتاباً واحداً فقط نال الشهرة، وهو بعنوان «متعة الطهي»، الذي صدر في العام 1931، ونشرته وهي في الخمسين من عمرها، لأنها وببساطة لم ترغب في أن تكون مؤلفة، إنما أرادت فقط مشاركة وصفاتها مع الآخرين، بيد أن نصائحها المفيدة ونثرها الفني ساعدا في جعل وصفاتها في متناول الجميع.
علاقة قوية
محبة الكتاب الأول لا ترتبط بنجاحه فقط، فلربما لا يحقق أيّ نجاح يذكر، وتظل علاقته بصاحبه قوية، بوصفه «الابن البكر»، و«الفرحة الأولى»، وهي الحالة التي وصفتها ذات مرة الكاتبة الأمريكية جامي إتنبرج، وبعدما أصبحت مؤلفة روايات «The Middlestein» الأكثر مبيعاً، تعتبر روايتها الأولى «الحب الفوري Instant Love»، «فاتحة خير».
في تقرير على موقع «themillions»، تقول إتنبرج: «لدي ولع حقيقي بكتابي الأول، لم أكن ملتحقة وقتها ببرنامج ماجستير في الفنون الجميلة، وقد مرّ أكثر من عقد منذ أن درست الكتابة كطالبة جامعية، لذلك بنيت الكتاب بشكل أساسي على العاطفة والصوت والتجربة الحياتية، بدلاً من أي شيء استراتيجي أو هيكلي أو أكاديمي. وتعثرت حقاً في طريقي خلال كتابته، ولم يكن لدي أي توقعات، وكنت سعيدة بنشره، الآن يبدو هذا الكتاب نقياً بالنسبة لي مثل أي شيء كتبته على الإطلاق. عندما يخبرني الناس أنهم قد قرأوا هذه الرواية، أشعر بالاختناق قليلاً من التفكير في ذلك الوقت في حياتي. أنا جادة! أنا بالتأكيد أعتقد أن هذا الكتاب هو حبي الأول».
أما الروائية الكندية إيميلي سانت جون مانديل، فقد عمدت إلى إعادة كتابة روايتها الأولى «في الليلة الماضية في مونتريال»، لتجري تغييرات وتصحيحات جديدة، وهي عملية اعتبرتها مانديل «مثيرة» خاصة أنها ترى الرواية أضعف كتبها إلى حد بعيد.
وتقول إيميلي مانديل: «أشعر بالحيرة لأنها تحظى باهتمام أكبر من روايتي الثانية والثالثة، وإذا كنت سأكتب تلك القصة الآن، فسأكتبها بطريقة مختلفة تماماً، لكنني شعرت بالاطمئنان عندما وجدت أنني لم أكره العمل، كان النظر في الرواية مرة أخرى بمثابة فتح كبسولة زمنية، غمرني إحساس ب«أوه»، هذه هي الطريقة التي كتبت بها في أوائل العشرينات من عمري، عندما كانت مشاعري مختلفة تماماً».
افخر بذاتك
«هل أنت فخور بأن تسمي نفسك كاتباً؟ فخور بما كتبت؟ وهل أنت فخور بما ستفعله يوماً ما؟»، السؤال الذي بدأت به الأديبة والمحررة في مجال الصحة والتغذية، ميج دويل مقالتها «كن فخوراً بكونك كاتباً»، تنطلق منه لتنصح الأدباء والكتاب بالفخر، فقط لكونهم مبدعين.
وأياً كان الموقف من الكتابات الأولى، وأياً كانت الرؤية من الكتاب الأول، تذكر دويل أنها قد تشعر بالحرج وهي تعلن أنها تعمل في مجال النشر الترفيهي، لكنها لا تشعر بأي حرج وهي تعترف بقضاء جزء كبير من وقتها جالسة أمام شاشة الكمبيوتر في تأليف القصص.
سعادة
الروائي الأمريكي أنتوني مارا، يرى روايته «كوكبة من الظواهر الحيوية» التي وصلت لقائمة «نيوتايمز» للأكثر مبيعاً وقت صدورها في 2013، إشارة إلى زمن بعيد، الأمر أشبه بإيماءة لصديق قديم، وإن اعترف أنه نسي كثيراً من تفاصيل روايته، ليصبح سعيداً حين يذكره القراء بأولى الإصدارات.
المصدر: زاجل نيوز