كشفت مصادر أحوازية عن اعتقال السلطات الإيرانية العشرات من الناشطين في إقليم الأحواز العربي جنوب غرب ايران على خلفية الهجوم الذي وقع السبت الماضي خلال عرض عسكري استهدف الحرس الثوري الايراني في الاحواز، وأدى الى مقتل واصابة العشرات من عناصر الحرس الثوري وميليشيا “الباسيج”.
في غضون ذلك، نشرت وزارة الاستخبارات الإيرانية بياناً، حول الهجوم المسلح الذي استهدف العرض العسكري في مدينة الأحواز، السبت الماضي، حمل تفاصيل جديدة حول الهجوم تتناقض كلياً مع ما كان قد أعلنه قادة الحرس الثوري ومسؤولو الحكومة.
وأرفقت الوزارة البيان الذي نشرته عبر موقعها بصور لمنفذي الهجوم قالت إنهم 5 أشخاص ينتمون إلى “مجموعة انفصالية”. كما أعلنت كشف مقر هذه المجموعة واعتقال 22 شخصاً من المرتبطين بها والداعمين اللوجستيين لهذا الهجوم المذكور، بحسب البيان.
لكن هذه التفاصيل والصور تتناقض كلياً مع ما أعلنه قادة الحرس الثوري والمسؤولون الإيرانيون خلال الأيام الماضية، حيث كانوا قد ذكروا أن المهاجمين 4 أشخاص فقط.
وأتى أول تعليق على الهجوم من حسن شاهوار بور، قائد الحرس الثوري الإيراني في خوزستان “الأحواز”، الذي قال “تم إطلاق النار من مسافة قريبة جداً من مخبأ المنفذين في الحديقة، وكان الإرهابيون الأربعة يرتدون ملابس عسكرية”، حسب تعبيره.
لكن أبو الفضل شكارتشي، المتحدث باسم رئاسة الأركان الإيرانية قال للتلفزيون الإيراني، إن “الإرهابيين الأربعة كانوا قد أخفوا الأسلحة قبل أيام، وحضروا العرض العسكري كمتفرجين مع الجمهور بين المدنيين، ثم ذهبوا إلى مكان وجود السلاح وأطلقوا النار على العرض العسكري”.
وفي اليوم نفسه، وفي مقابلة هاتفية سئل شكارتشي عما كان يرتديه المهاجمون، فأجاب: “لقد استخدم الإرهابيون مجموعة متنوعة من التكتيكات، وكانوا في مخبأ لهم في الحديقة”. وادعى أيضاً أنه قد تم إطلاق النار من مسافة بعيدة نسبياً. ونفى أن يكون المهاجمون قد ارتدوا زياً عسكرياً، وأصر على أنه “ينفي صحة أي تصريحات باستثناء التصريحات التي أدلى بها”.
أما غلام رضا شريعتي، محافظ خوزستان “الأحواز”، فقال في مقابلة “إن منفذي الهجوم الإرهابي في الأحواز كانوا يرتدون زي الحرس الثوري”. كما نقلت معظم وكالات الأنباء الإيرانية عن شهود عيان تأكيدهم ارتداد المهاجمين الزي العسكري، حيث قال أحد المصابين الذين نقلوا إلى المستشفى للتلفزيون الإيراني: “وسط العرض هجم 4 أشخاص بالزي العسكري وبدأوا بإطلاق الرصاص”.
وفي سياق متصل، ظهر فيديو بثه تنظيم “داعش” عبر وكالة “أعماق” يظهر ثلاثة أشخاص في سيارة يرتدون زي ميليشيات الباسيج التابعة للحرس الثوري، تحدث اثنان منهم بالعربية بينما تحدث الثالث بالفارسية عن “نيتهم القيام بعملية نوعية” ضد الحرس الثوري”. ولم يتم التأكد من صحة هذا الفيديو، كما لا تتطابق وجوه الأشخاص الذين يظهرون فيه مع الصور المنشورة للمهاجمين.
وجاء في شرح الصور التي نشرتها وزارة الاستخبارات في بيانها، أن المهاجمين الخمسة هم ثلاثة إخوة من عائلة واحدة، إياد وفؤاد وأحمد منصوري، والرابع هو جواد ساري، أما الخامس فهو حسن درويشي.
واللافت أن صورة الشخص الخامس، حسن درويشي، مأخوذة من المقطع الذي بثه داعش، وهي للشخص الذي كان يتحدث الفارسية بلهجة القومية اللورية، ما يفند ادعاء السلطات بأن المجموعة “عربية انفصالية”، حيث إنها تضم شخصاً غير عربي.
كما أن الأشخاص في الفيديو لم يقولوا إنهم ينتمون لداعش على الرغم من حديثهم حول “نعمة الجهاد”، حسب تعبيرهم.
وما زاد الغموض هو تناقض الموقف الرسمي الإيراني بين تأييد ضمني أو نفي كلي من قبل السلطات الإيرانية بأن يكون “داعش” وراء الهجوم رغم أن وسائل إعلام إيرانية من بينها موقع ” تابناك” المقرب من أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام، محسن رضائي، نشر تقريراً يكشف عدم تطابق صور المهاجمين القتلى مع صور الموجودين في الفيديو.
وذكر موقع “تابناك” أن الزي العسكري الذي كان يرتديه الثلاثة في فيديو داعش يختلف عن أزياء المهاجمين القتلى، كما أن وجوههم تختلف في المشهدين.
كما لاحظ الموقع ووسائل إعلام أخرى أن الأسماء المنشورة من قبل وزارة الاستخبارات تختلف مع تلك التي نشرتها “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز”، والتي قالت إن إحدى مجموعات ” المقاومة الوطنية الأحوازية” نفذت الهجوم دون إيضاح من هي المجموعة، حيث إن “المقاومة الأحوازية” تسمية عامة وليست تسمية لتنظيم بعينه.
كما ان هناك تناقض آخر فادح وهو أن وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية نشرت في اليوم الأول قائمة بأسماء القتلى، من بينهم شخص يدعى “عادل بدوي” وأمام اسمه إشارة “تروريست” أي “إرهابي”، لكن هذا الاسم لم يرد في بيان وزارة الاستخبارات، إلا أنه ورد في تصريحات أعضاء “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” كأحد المنفذين، بينما لم يذكر أعضاء الحركة 3 أسماء أخرى جاءت في قائمة الوزارة، مثل إياد منصوري وفؤاد منصوري وحسن درويشي.
لكن التناقض الأبرز هو أن أياً من تنظيم “داعش” أو حركة “النضال” الأحوازية، لم يقدما أي دليل يثبت صحة تبنيهما للهجوم مع تكاثر التناقضات التي تفند روايتيهما وتعزز الشكوك حول اتهامات المعارضة الإيرانية لاستخبارات الحرس الثوري بالتورط بالهجوم من أجل إظهار إيران على أنها “ضحية الإرهاب” بالتزامن مع حضور الرئيس الإيراني حسن روحاني أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وكذلك الاجتماع المرتقب لمجلس الأمن حول الإرهاب الإيراني.
في سياق متصل، شنّت قوات الأمن والشرطة والحرس الثوري حملة اعتقالات ومداهمات واسعة في الأحواز ومناطق مختلفة في الإقليم، حيث يتحدث ناشطون عن حوالي 300 معتقل خلال الأيام القليلة الماضية، شملت ناشطين ومثقفين ومواطنين عاديين بتهم صلتهم بجماعات سياسية في الخارج.
ويقول ناشطون أحوازيون إن النظام كما في السابق يريد من خلال تدبير هذا الهجوم عسكرة الإقليم والبدء بتنفيذ الإعدامات ضد السجناء السياسيين، وقمع الحراك السلمي والمظاهرات التي تخرج بين الفينة والأخرى ضد النظام وسياسات الحكومة.
بدورها، ربطت جهات وشخصيات إيرانية معارضة بين هجومالأحواز وهجوم مجلس الشورى “البرلمان” الإيراني في 7 يونيو 2017، حيث اتهم النائب الإيراني محمد دهقان، حينها، عناصر متنفذة في أجهزة الاستخبارات الإيرانية بالتورط بهجمات طهران الدامية، من خلال تسهيل مهمة عناصر تنظيم “داعش” الذين اقتحموا البرلمان الإيراني وقبر الخميني، وتبين فيما بعد أن عدداً من أعضاء المجموعة المنفذة كانوا أعضاء في داعش ثم عادوا إلى إيران واعتقلتهم أجهزة استخبارات الحرس الثوري، ثم أطلقت سراحهم، ما عزز الشكوك حول تدبير كل العملية من قبل النظام.
كذلك تم ربط هجوم الأحواز بهجمات بالصواريخ شنها الحرس الثوري قبل أسبوعين على مقرات الأحزاب الكردية والإعدامات التي نفذت ضد نشطاء أكراد في السجون بتهمة “زعزعة الأمن القومي”، فضلا عن عمليات الاغتيال للنشطاء السياسيين التي قام بها النظام في أوروبا ومحاولة تفجير مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس خلال الأشهر الماضية.
ونظراً لأن المنطقة التي تم فيها الهجوم محصّنة عسكريا وتقع بجانب المعسكر 92 للقوات المدرعة التابعة للجيش الإيراني، تساءل مراقبون إيرانيون عن حقيقة ارتداء المهاجمين ملابس عسكرية، وأين وكيف خبأوا الأسلحة، وكيف لم يتم كشفها من قبل قوات الأمن قبل العرض؟ كما كيف تمكنوا من الاقتراب بهذه السرعة من منصة العرض؟