السفاح أو القاتل المتسلسل هو الشخص الذي يقتل ثلاثة أشخاص أو أكثر بمدة زمنية تُقدر من أيام إلى سنوات تتخللها فترات من الهدوء. والسفاح هو الشخص الذي يكثر من سفك الدماء لإشباع رغباته النفسية الشاذة. وعادة ما يكون لضحايا السفاحين قاسمًا مشتركًا كالمال أو العرق أو الجنس أو السن وهلم جره.
وشهد المجتمع السويدي، شأنه شأن غيره من المجتمعات، العديد من هذه الشخصيات التي حفرت اسمها بحروف من دم في سجل أبشع الجرائم الإنسانية. وسنرى اليوم أشهر السفاحين الذين ظهروا في المجتمع السويدي على مر العصور. ولكن ينبغي معرفة الحقيقة أن السفاحين كانوا ولا زالوا جزءًا من الواقع الذي نعيشه وسنعيشه، صحيح أن أفعالهم كانت بمثابة أسطورة في نظر الكثيرين نظرًا لقسوتها وبشاعتها وشناعتها، إلا أن هذه البشاعة والقسوة تحولت إلى واقع عندما صب هؤلاء السفاحين جام غضبهم على ضحاياهم، وعلى نحو متسلسل ومتتابع، لينتقلوا من مرحلة الأسطورة إلى مرحلة الواقع.
القس أندش ليندبيك «سفاح الكنيسة الذي كشفه تشريح الجثة»
ولد أندش ليندبيك لعائلة بروتستانتية فقيرة في عام 1803م، وذلك ببلدة برولاندا الواقعة بمقاطعة غوتالاند جنوب غرب السويد، حيث نشأ في ظل ظروف سيئة للغاية، واضطر للعيش على الهدايا الغذائية المُقدمة من أبناء الرعية للكنيسة. ومع ذلك، واصلَ تعليمه، والتحق بجامعة أوبسالا، حتى عُينَ كقس في عام 1831م، وفي الوقت نفسه عملَ مدرسًا في مدرسة المصنوعات الحديدية في مطحنة أبرود. وتزوج ليندبيك في عام 1834م، وأنجب طفلين اثنين، وتكفل بتعليمهما تعليمًا جيدًا حتى أصبحا ضابطين، وكل ذلك من المزرعة الغنية التي اشتراها بثمن بخس من أقربائه.
أنتخبَ ليندبيك في عام 1861م، راعيًا لكنيسة سيلبودال في بلدة أورينك بمقاطعة ورملاند غرب السويد، حيث كانَ من واجباته توفير الدعم لنحو أربعين فقيرًا من رعايا الكنيسة، وهو عبء ثقيل للغاية على منطقة الغابات الفقيرة. وبهدف تخفيض التكاليف، خلطَ ليندبيك النبيذ بالزرنيخ، وقدمه لثلاثة فقراء من رعايا الكنيسة، فأدى ذلك إلى مقتلهم في عام 1864م. وحاولَ بهذه الطريقة قتل المزيد من الرعايا الفقراء، إلا أن أحد أقارب ضحاياه طلبَ من الشرطة السويدية نبش القبر وتشريح الجثة، ليكتشف ضلوع القس في جريمة القتلِ. وأصدرت محكمة المقاطعة، في سنة 1865م، حُكما قضائيًا بإعدام ليندبيك، لإدانته بجرائم القتل الثلاث، إلا أنه وجد مُنتحرًا شنقًا بداخل زنزانته في سجن كارلستاد.
المرأة الملائكية هيلدا نيسلون «سفاحة الأطفال التي كشفها إختفاء طفل»
ولدت هيلدا نيسلون لعائلة فقيرة في عام 1876م، وذلك في مدينة هلسينغبورغ بمقاطعة سكونا جنوب السويد. تزوجت نيسلون من رجل يُدعى غوستاف، وأنجبت منه طفلًا، إلا أن الأسرة كانت تعاني من ديون كبيرة، مما دفعها ذلك للتفكير بوسيلة للتخلص من هذه الديون، فبدأت باستقبال الأطفال الرضع من الأمهات اللاتي وضعن أطفال دون زواج، لتقوم هي بتربيتهم وتنشئتهم في منزلها. ومع ذلك، كانت المبالغ المُقدمة لها غير كافية للعناية بالأطفال، فبدأت باستقبال الأطفال، ثم تقتلهم بعد فترة قصيرة من الدفع، إما بالتغريق في قِدر ماء كبير توضع عليه أثقال أو عن طريق الحرق أو حتى الدفن وهم أحياء. وهكذا قتلت ثمانية أطفال، في وقت لم تكن للسلطات السويدية القدرة على التعرف على الأطفال، وذلك لأن الأمهات لم يكن يفضلن الإعلان عن إنجابهن الأطفال دون زواج شرعي. وفي ذات يوم، ارادت بليندا هنريكسون، وهي أم لطفل غير شرعي، الإتصال بطفلها المتواجد في منزل نيلسون، فعندما لم تحصل على إجابةٍ من نيسلون، اتصلت بالشرطة السويدية، وسرعان ما كشفت التحقيقات تورطها في جرائم القتل. وأصدرت محكمة هلسينغبورغ، في سنة 1917م، حُكما قضائيًا بإعدام نيلسون، لإدانتها بجرائم القتل الثمانية، إلا أنها وجدت مُنتحرًة داخل زنزانتها، قبل أن تعلم أن حُكمها استبدل بالسجن مدى الحياة.
البستاني يون إنغفار لوفغرين «سفاح النساء الذي كشفته ملابس الضحية»
ولد يون إنغفار لوفغرين في عام 1930م، وذلك في مدينة نورشوبينغ بمقاطعة أوسترغوتلاند جنوب شرق السويد. كانت طفولة لوفغرين مأساوية، حيث توفى والداه عندما كانَ صغيرًا جدًا، ووضع في دار الأيتام لتلقي الرعاية. وأشتهرَ في سن البلوغ بالتسكع في الشوارعِ، واحتساء الخمور، والتحرش بالنساء، وقدْ أدين في تحقيقات الشرطة السويدية بالتعرض للنساء في العديد من المناسبات. ووصفت تحقيقات الشرطة لوفغرين بأنه طفولي وضعيف، وربما معاق عقليًا. ولذلك، وضعَ في مستشفيات الأمراض العقلية في مراحل مختلفة بين عامي 1953 و1961م.
اغتصبَ لوفغرين خلال وقت عمله كبستاني، في عام 1963م، طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات، ثم قتلها. وأخذَ معه، أثناء هروبه من مسرح الجريمة، ملابس الطفلة في محاولة يائسة للتخلص منها، فكانت الأثر الذي قادَ الشرطة إليه. واعترفَ بعد إلقاء القبض عليه بارتكاب ثلاث جرائم قتل أخرى ضد النساء بأعمار 26 عامًا و62 عامًا فضلًا عن طفلة بعمر ست سنوات، وذلك بعد اغتصابهن بوحشية. وضعَ لوفغرين بعد ذلك في مركز للرعاية النفسية المُغلقة، وتوفي بمرض السرطان في عام 2002م.
عامل الطوارئ أندش هانسون «سفاح المستشفى الذي كشفته امرأة عجوز»
في عام 1978م، كان يعمل أندش هانسون، البالغ من العمر حينذاك 18 عامًا، كعامل طوارئ في جناح 26 بمستشفى مالمو أوسترا، وكانَ هذا الجناح مُخصص للرعاية الطويلة الأمد، حيث كان معظم نزلائه مُصابين بالعته. وتكشف شهادة عمل هانسون في مستشفى آخر عملَ فيه بوقت سابق بإنه غريب الأطوار، وإنه لا يدرك ما يقوله، ولذلك تنصح الشهادة بعدم إعادته للعمل. ومع ذلك، لم يتم عرض هذه الشهادة على مستشفى مالمو أوسترا عند توظيفه.
في أحد الأيام، جاءَ هانسون راكضًا إلى زملائه في العمل ليخبرهم بأن أحد المرضى يعاني من صعوبة في التنفس، وذلك بسبب وجود سوائل في قصبته الهوائية، فتم إنقاذ المريض، وتلقى هانسون المديح والثناء لجهودة المبذولة. وسرعان ما تكررت الحالات، ضمن نفس المسار مع عامل الطوارئ الذي يدق ناقوس الخطر. كانت أول جريمة يرتكبها هانسون في الجناح 26 هي إعطاء رجل أعمى يبلغ من العمر 66 عامًا مزيجًا من الماء والمنظفات، وعندما فشلت محاولته الأولى كررها في اليوم التالي بإستخدام مادة الفينول السامة، والتي غالبًا ما يشار إليها برائحة المشافي. وفي عام 1979، أعطى امرأة عجوز تبلغ من العمر 94 عامًا عصيرًا مخلوطًا بالفينول، إلا أن المرأة بصقت الشراب، وصرخت بأعلى صوتها على الموظفين، والذين وصلوا إلى المكان ليكتشفوا الحقيقة. وقدْ أدينَ هانسون بقتل 11 مريضًا، والشروع بقتل 16 أخرين خلال عامي 1978 و1979م، وكانت حجته في محكمة مالمو بإنه يريد تقصير معاناة المرضى المسنين لأنه يشعر بالأسف والحزن عليهم، فتم وضعه في الرعاية النفسية المغلقة. ومع ذلك، أكدت تحقيقات الشرطة والكيميائيين الشرعيين أنه من غير الواضح عدد المرضى الذين ماتوا بالفعل بسبب تسمم الفينول أو لأسباب أخرى، وذلك لأن الأطباء المسؤولين في المستشفى كانوا مقتنعين بأن الوفيات لها أسباب طبيعية.
رجل الليزر يون اوسونيوس «سفاح المهاجرين الذي كشفته سيارته المستأجرة»
ولد يون اوسونيوس في مقاطعة ستوكهولم في عام 1953م، وهو سويدي من أصول مهاجرة – والده من أصول سويسرية، وأمه من أصول ألمانية. اشتهر اوسونيوس في وسائل الإعلام السويدية بلقب (رجل الليزر)، حيث اشترى هذا القناص سلاحًا يعمل بالليزر، وبدأ بشن سلسلة من عمليات القنص ضد المهاجرين بصورة عامة.
تدفقَ بعد أزمة البلقان وانهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي أعداد كبيرة من اللاجئين إلى السويد، وأدى هذا التدفق في نهاية المطاف إلى تعرض العديد من مخيمات اللاجئين إلى الهجمات والتهديدات، ولاسيما خلال عام 1991م، وصاحب هذه الهجمات تصريحات علنية معادية للأجانب وسياسة الهجرة من قبل بعض الصحفيين والسياسيين، كما عملت أحزاب رسمية كحزب ديمقراطيي السويد، على بث الشائعات حول المهاجرين، فتارةً زعموا بأن سياسة الهجرة تكلف الدولة السويدية بين 40 إلى 80 مليون كرون سنويًا (في الواقع كلفت سياسة الهجرة آنذاك نحو 5 مليون كرون)، وتارةً أخرى زعموا بأن البلاد تمر بأزمة اقتصادية (كانت الأزمة الاقتصادية عالمية)، وأن المهاجرين العاطلين عن العمل يستنزفون الضرائب، وأن المهاجرين العاملين يسرقون أعمال السويديين ووظائفهم. خلاصة القول، كانت الأجواء الإعلامية والسياسية مشحونةً في تلك الفترة إلى حد الاستنزاف والتلاعب على عواطف المجتمع السويدي، مما أدى إلى ظهور رجل الليزر، والذي بث الرعب في البلاد خلال عامي 1991 و1992م. يقول اوسونيوس للصحفي السويدي جيليرت تاماس في كتابه “رجل الليزر”، والصادر عام 2002م أن “هجماته كانت عشوائية خلال سنة 1991م، واستهدفت بالدرجة الأولى الشعر الأسود”- في الواقع هو نفسه شعره أسود!
أستخدمَ اوسونيوس خلال تنفيذ عمليات القنص، باروكة شعر حمراء لإخفاء ملامحه الخارجية، كما كان كثير التنقل في المدن السويدية، مما جعل إعتقاله أمرًا مستحيلًا. ولكن الشرطة السويدية تمكنت من الوصول إليه عن طريق سيارة، كان قدْ استأجرها بأوراق مزورة، تحمل صورته الحقيقية، لإستخدامها في واحدة من عملية القنص. وقدْ حُكم على اوسونيوس في عام 1994 بالسجن مدى الحياة بتهمة السطو المسلح على تسع بنوك، وقتل شاب إيراني يدعى جيمي رنجبر، وكذلك إصابة أحد عشر مهاجر بجروح بليغة في الرأس والصدر والبطن بسبب أعيرة القنص النارية وهم: “حسن زعترة فلسطيني من لبنان، عيسى ايبار مسيحي من سوريا، ديفيد جيبريماريام مسيحي من اريتريا، شهرام خسروي من إيران، تشارلز ضلاكاما من زيمبابوي، وآخرين من الصومال والبرازيل واليونان”.
الشعوبي بيتر مانجز «سفاح المهاجرين الذي كشفه سلاحه»
ولد بيتر مانجز في عام 1972م، وذلك ببلدة ألمهولت بمقاطعة كرونوبري جنوب السويد. نشأ مانجز في ظل أسرة مفككة، إذ انفصل والده عن والدته، ففضل العيش بجوار والدته وأخته الصغيرة البالغة من العمر سبع سنوات، وقدْ أهتم كثيرًا بالموسيقى، حتى إنه جرب حظه في هذا المجال في ولاية فلوريدا الامريكية حيث يعيش والده. التحقَ مانجز، عندما عاد إلى السويد في عام 2002م، ببرنامج التمريض، ولكنه فشل أيضًا، فانضم إلى نادي الرماية، وحصلَ من خلاله على ترخيص حمل السلاح، واشترى مسدس جلوك 19 وكمية من الذخائر.
وشهدت مدينة مالمو العديد من حوادث إطلاق النار في عامي 2009 و2010م، وقدْ حظيت حينذاك باهتمام كبير في وسائل الإعلام السويدية. واعتبرت الشرطة، في البداية، الحوادث كجزء من عمليات الجريمة المنظمة، ولكنها سرعان ما تراجعت، وذلك لأن جميع الحوادث مرتبطة بنوع واحد من الأسلحة، وهو مسدس جلوك 19، ضمن منطقة محددة في مدينة مالمو. وكانَ القاسم المشترك لضحايا هذه الحوادث، هو أنهم جميًعا من خلفيات مهاجرة، ولذلك سادَ الإعتقاد بوجود سفاح يقود جرائم كراهية متسلسلة ضد المهاجرين. قادت تحريات الشرطة السويدية في البحث عن المسدس المُستخدم في الجرائم، إلى مانجز، وحكمت محكمة مالمو عليه بالسجن مدى الحياة جراء إدانته بقتل مهاجرين أثنين، والشروع بأربع محاولات للقتل، وإطلاق ثلاث حالات من التهديدات غير القانونية.