ما أعظم منزلة الشهداء، فقد باعوا أنفسهم لله سبحانه وتعالى، وضحوا بأرواحهم من أجل حماية أوطانهم ورفع راية الدين، فبلغوا بذلك منزلة عظيمة ورجة رفيعة عند الله عز وجل، فكرمهم ربهم بأن جعلهم أحياء عنده يرزقون.
وكثير منا يتسائل عما يجده ويشعر به الشهيد لحظة استشهاده، وهل يشعر بألم أو خوف أو رهبة؟، وهل يتعرض لسكرات الموت مثلما يتعرض من يموت من غير الشهداء؟!، كل هذه الأسئلة تدور في أذهاننا، وقد أجابنا عنها النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
فالشهداء أكرمهم الله بأن عصمهم من الشعور بالألم عند الموت، فنجد الشهيد قد أصيب إصابات بالغة، ولكنه في تلك اللحظة لا يشعر إلا بمثل قرصة خفيفة ققرصة البعوضة، قال صلى الله عليه وآله وسلم مخبرًا عن ذلك: “مايجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القَرصَة يُقرَصُها”.
فلا يشعر الشهيد بألم في إصابته، بل الأكثر من ذلك لا يشعر حتى بسكرات الموت مثلما يحدث لمن يموت، بل يؤانسه الله سبحانه وتعالى ويبشره بما سيلقى من نعيم، فلا يشعر بألم ولا يشعر بسكرات الموت، بل له ست مبشرات تهون عليه ما هو فيه، يقول الحبيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “للشهيد عند الله ست خصال: يُغفَر له في أول دفعة، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجَار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُوضَع على رأسه تاج الوقار،الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويُزوجُ اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه”.
ومن فضل الله على الشهيد أن الملائكة تغسله، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ” إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة”، ليس هذا فحسب، بل تظلل الملائكة الشهيد بأجنحتها، قال جابر بن عبد الله: “لما كان يوم أُحد جيء بأبي مسجى وقد مثل به، قال: فأردت أن أرفع الثوب فنهاني قومي، ثم أردت أن أرفع الثوب فنهاني قومي، فرفعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أمر به فرفع، فسمع صوت باكية أو صائحة فقال: من هذه، فقالوا: بنت عمرو أو أخت عمرو، فقال: ولم تبكي فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع”.
وقد بشر الله سبحانه وتعالى الشهداء في القرآن الكريم بأربع بشريات يقول تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ، وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}.
فالبشرى الأولى أن الله سبحانه وتعالى ستقبل أعمالهم ولن يحبطها، والثانية أن سبحانه سيهديهم إلى طريق الجنة والأعمال الموصلة إليها ومنها الجهاد في سبيله، والثالثة أنه سيصلح بالهم ويصفيه من الكدر والهموم فلا يحمل ولا يشعر بهم شئ لا من أمور الدنيا ولا الآخرة لأن الله يطمئن قلبه، أما البشرى الرابعة بأنه سيدخلهم الجنة”.