في تصعيد خطير للخطاب السياسي الإسرائيلي، تصاعدت الدعوات في الأوساط اليمينية والائتلاف الحكومي للعودة إلى قطاع غزة وإعادة بناء المستوطنات التي فككت خلال خطة “فك الارتباط” عام 2005.
وقد رافق ذلك تصريحات لعدد من وزراء حكومة بنيامين نتنياهو، بينهم من حزبي “الصهيونية الدينية” و”القوة اليهودية”، تطالب بضم أجزاء من غزة بشكل دائم إلى “السيادة الإسرائيلية”.
أبرز هذه التصريحات جاءت على لسان وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتلسئيل سموتريتش، حين قال: إن “قطاع غزة جزء لا يتجزأ من (إسرائيل)”، مؤكداً أن الاستيطان فيها أقرب من أي وقت مضى، في أعقاب الحديث عن خطة إسرائيلية جديدة لاحتلال أجزاء من القطاع بعد نحو 20 عاماً على الانسحاب منه.
وخلال مؤتمر عقد في مستوطنة “ياد بنيامين” وسط “إسرائيل”، الثلاثاء 29 يوليو الجاري، بمناسبة مرور 20 عاماً على فك الارتباط مع مستوطنات غزة و4 مستوطنات شمال الضفة الغربية، قال سموتريتش: “نحن أقرب من أي وقت مضى لإعادة بناء (مستوطنات) غوش قطيف في غزة”.
وأضاف أن الإسرائيليين سيعودون إلى مستوطنات غزة، “لكن ستكون أكبر حجماً”، وفق تعبيره، متابعاً: “لم نقدم هذه التضحيات الكبيرة لنسلّم غزة من عربي إلى آخر”.
محللون أكدوا أن هذه التصريحات تعكس نية بعض الأطراف الإسرائيلية استغلال الحرب الجارية على القطاع لتغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي فيه، عبر إعادة فرض الوجود الإسرائيلي المباشر في مناطق من غزة.
عام الحسم
الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم أكد أن ما تحدث عنه سموتريتش بشأن “الخطوة الاستراتيجية الجيدة” بدأ يتحقق فعلاً، مشيراً إلى أن الأخير ينفذ خطته المعلنة، وأن ما يُسمى بـ”عام الحسم” قد انطلق فعلياً من قطاع غزة.
وقال إبراهيم في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إن “حكومة الاحتلال ناقشت ليلة أمس ملف ضم أجزاء من شمال قطاع غزة إلى ما تسميه السيادة الإسرائيلية، وذلك بعد أيام قليلة من تصويت الكنيست لصالح فرض السيادة على الضفة الغربية”، مضيفاً أن “هذا التحرك ليس مجرد حدث عابر، بل يمثل جزءاً من خطة إسرائيلية واضحة ومعلنة، تهدف إلى جعل عام 2025 عاماً للحسم والضم، تماماً كما وعد سموتريتش”.
ويشير إلى أن هذه التحركات “تأتي في ظل تواطؤ دولي فاضح، حيث تغطي بعض الدول الأوروبية جرائم الاحتلال تحت مسمى (التسهيلات الإنسانية)، بينما تواصل الإدارة الأمريكية نهج الرئيس دونالد ترامب ولكن بهدوء وبالأدوات ذاتها”.
وأكد أن ما نشهده منذ عامين هو “تضليل ممنهج، يتمثل في ضغوط شكلية على إسرائيل، يقابلها صمت دولي فعلي تجاه جرائم الإبادة والتفكيك الجغرافي والسياسي لفلسطين”.
كما ينتقد إبراهيم الموقف الفلسطيني والعربي، حيث “لا توجد أي خطوات فاعلة للرد على هذا المشروع الاستيطاني المتسارع”، مشدداً على أن “إسرائيل باتت تلتهم كل شيء: الأرض والسيادة والسياسة وحتى حلم الفلسطينيين البسيط في الحرية والكرامة”.
مهلة للتفاوض
الخبير في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور أكد أن “إسرائيل” بصدد منح حركة “حماس” مهلة قصيرة من بضعة أيام للموافقة على وقف إطلاق النار، ملوّحة في حال عدم الاستجابة بالشروع في عملية ضم تدريجي لأجزاء من قطاع غزة إلى السيادة الإسرائيلية.
وقال عصمت في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إن “رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي يستعد لعرض خطة ضم على المجلس الوزاري الأمني السياسي، تتضمن إعلان هذه المهلة، ومن ثم البدء الفوري بضم مناطق من القطاع، في محاولة منه لإرضاء شركائه في الحكومة، خاصة وزير المالية سموتريتش”.
وأضاف عصمت أن الخطة، بحسب ما سُرّب، ستبدأ بضم المناطق الحدودية الفاصلة، ثم تتوسع تدريجياً لتشمل شمال القطاع المحاذي لمدينة سديروت وعسقلان، وصولاً إلى ضم كامل القطاع، إذا لم توافق “حماس” على شروط وقف إطلاق النار.
ويؤكد أن هذه الخطة تأتي بعد قرار نتنياهو بزيادة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهو ما لاقى رفضاً من حزب “الصهيونية الدينية”، ودفع رئيس الوزراء إلى محاولة امتصاص الغضب الداخلي عبر التلويح بخطة الضم.
ولفت عصمت إلى أن نتنياهو قال خلال لقاءاته مع عدد من وزرائه إن الخطة حظيت بموافقة مبدئية من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجرى عرضها على وزير خارجيته ماركو روبيو عبر الوزير للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، بينما لم يحضر ترامب الاجتماع بسبب وجوده في اسكتلندا.
ويوضح أن التهديد بضم غزة، إلى جانب دعوات وزراء في الحكومة لإقامة مستوطنات في القطاع، “سيقود (إسرائيل) إلى صدام مع المجتمع الدولي، باستثناء الولايات المتحدة، وقد يدفع دولاً أوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية وفرض عقوبات على تل أبيب”.
كما يشير إلى أن نتنياهو، “الذي لم يكن متحمساً سابقاً لفكرة ضم غزة، بات مستعداً اليوم لدفع هذا الخيار، بهدف الحفاظ على استقرار ائتلافه الحاكم”.