خلال المباراة التي جمعت ناديي الحكمة والرياضي (بيروت) منذ اسبوعين على ملعب نادي غزير ضمن بطولة لبنان في كرة السلة، تابع رئيس نادي الحكمة مارون غالب بعض فترات المباراة جالساً في الكافيتيريا المطلّة على الملعب والحزن باد عليه وهو يشاهد لاعبي النادي الاصفر يسيطرون على اجواء اللقاء ويفوزون بفارق نحو 30 نقطة على لاعبي الفريق الأخضر في غياب «الجمهور الحكماوي» الواسع والعريض تنفيذاً لعقوبة اتحادية.ولو حضر الجمهور الحكماوي الكبير المباراة لكان استمر بتشجيع الفريق الذي يعشقه «حتى الثمالة» . وعادت بي الذاكرة ربع قرن الى الوراء عندما خسر فريق الحكمة لكرة القدم امام فريق الانصار(1-8) ضمن مسابقة كأس لبنان في كرة القدم على ملعب طرابلس البلدي.
شويري
يومها كان جمهور نادي الحكمة ،الذي حضر المباراة، يهتف في الشوط الثاني «ويقولو «شو ما يقولو» حبينا الحكمة وبس». وبعد ساعات من المباراة توفي رئيس نادي الحكمة هنري الأسمر(الذي كان حاضراً المباراة) أثر نوبة قلبية (أطال الله بعمر «الآدمي» مارون غالب) ليخلفه الراحل انطوان شويري القادم من «عالم االاعلانات» والذي كان مجهولاً من الوسط الرياضي والذي اصبح رئيساً للنادي الاخضر الذي كان معروفاً في وسط كرة القدم كأحد ابرز اندية اللعبة وكان فريق كرة السلة في الدرجة الثانية.في بداية ولايته اهتم شويري بفريق كرة القدم قبل ان ينصب اهتمامه بكرة السلة اذ احرز الفريق لقب كأس لبنان وهو في الدرجة الثانية في العام 1993 ثم تأهل الفريق الى الدرجة الأولى بعدما احرز لقب بطولة الدرجة الثانية في العام نفسه وبدأت قصة نادي الحكمة.كان انطوان شويري يحلم كثيراُ فقال انه سيحرز لقب بطولة لبنان وصولاً الى احراز لقب كأس الاندية العربية وكأس الأندية الآسيوية والمشاركة في بطولة العالم للأندية فقالوا ان هذا الرجل لن يحقق طموحاته لأنها خارج المنطق.وتساءل الكثيرون: من هو قادر على منافسة الأندية القوية التي ارتبط اسمها بكرة السلة مثل نادي الرياضي ونادي الكهرباء ونادي التضامن ونادي العمل وغيرها…
القاب بالجملة
وسط التخبط في نتائج فريق كرة القدم والمشاكل التي طبعت العلاقة بين اتحاد كرة القدم و«الرجل القوي» فيه آنذاك الأمين العام رهيف علامة(كان صاحب القرار من ايار 1985 حتى ايلول من العام 2001) وبين انطوان شويري اتخذ ابن بشري انطوان شويري القرار:سأنتقل الى لعبة كرة السلة وسأركّز اهتمامي عليها..
وفعلاً بدأت «مغامرة» انطوان شويري في كرة السلة(تسلّم منصب الرئاسة في نادي الحكمة في العام 1992 حتى ايلول من العام 2004) وبدأت عملية حصد الالقاب وعلى رأسها بطولات لبنان في اعوام 1994 و1998 و1999 و2000 و2001 و2002 و2003 و2004 وهو اللقب الأخير لنادي الحكمة على مستوى بطولة لبنان.كما احرز نادي الحكمة لقب مسابقة لبنان عشر مرات ولقب بطولة الاندية العربية في عامي 1998 و1999(ملعب نادي غزير) وبطولة الاندية الآسيوية في اعوام 1999 و2000(ملعب نادي غزير) و2004 (في الامارات العربية المتحدة) ولقب بطولة دورة دبي مرات عديدة الى جانب القاب دورات ودية عدة.وكما كان يطمح رئيس نادي الحكمة شارك فريق كرة السلة في بطولة العالم للأندية التي جرت في تشرين الاول من العام 1999 في مدينة ميلانو الايطالية ودخل نادي الحكمة تاريخ بطولة العالم من الباب الواسع وحقق انطوان شويري احلامه بمواكبة من عدد من الحكماويين (وعلى رأسهم «كاتم اسراره» وابرز مقرّب منه والذي يشغل منصب عضو المجلس البلدي في بيروت حالياً ايلي يحشوشي ) ومن جمهور واسع خرج من «القمقم» وهو جمهور الحكمة الكبير والعريض الذي يمتد على مساحة الوطن مع التذكير بالحالة الشعبية التي كانت تحصل في الاراضي اللبنانية بعد احرز نادي الحكمة القاب بطولة العرب وبطولة آسيا على ملعب نادي غزير في مشهد ما زال ماثلاً في اذهان الكثيرين.
رؤساء بالجملة
مع استقالة انطوان شويري المفاجئة في خريف العام 2004 ، دخل نادي الحكمة «في مهب الريح » وسط الامواج العاتية فتسلّم مقاليد الرئاسة عدد من الاشخاص ومنهم المحامي ميشال خوري والقاضي جوزيف فريحة قبل ان يقود القدر «رجل التأمين» الراحل هنري شلهوب الرئيس السابق لنادي الشانفيل (غريم الراحل انطوان شويري) الى رئاسة نادي الحكمة في العام 2005 .وفي عهد شلهوب احرز الحكمة لقباً واحداً وهو بطولة غرب آسيا في الأردن وغابت القاب بطولات لبنان وكأس لبنان عن نادي الحكمة.وانكفأ شلهوب لا بل انسحب من النادي الاخضر ليخلفه ابن نادي الحكمة جورج شهوان(عاشق الحكمة وكان وحده مموّل النادي آنذاك) الذي واكب النادي منذ عقود عدة .وفي عهد شهوان غابت الالقاب مع تسجيل وصول نادي الحكمة الى نهائي بطولة الأندية العربية في الاردن منذ نحو عشر سنوات وخسر المباراة يومها واحتل مركز الوصيف.واستمر «العقم» والشح» في الالقاب لنادي « مالئ الدنيا وشاغل الناس» وابتعد شهوان ليخلفه رجل الأعمال طلال المقدسي(درس في مدرسة الحكمة) والذي حاول مع «الجنتلمان» نديم حكيم والنائب أمل ابو زيد »اعادة الوهج» الى نادي الحكمة خاصة ان المقدسي يملك امكانات كبيرة فوصل النادي الاخضر الى نهائي كأس لبنان (كأس انطوان شويري) فخسر النهائي امام نادي الشانفيل على ملعب مجمّع فؤاد شهاب في جونية بحضور السيدة روز عقيلة الراحل انطوان شويري التي سلّمت كأس البطولة الى قائد نادي الشانفيل فادي الخطيب.واستمر «صيام» نادي الحكمة عن الالقاب وجمهور النادي مستاء ويغلي. فالعواصف تضرب النادي والمرض يصيبه والألم يعتصر مفاصله فغياب التمويل كان سيد الموقف والجمهور الحكماوي لا يكن ولا يهدأ فهو متعطش للالقاب وتحديداً لتسعينيات القرن الفائت وبداية الألفية الثالثة.
وانتُخب القائد الاسطوري للنادي ايلي مشنتف الذي يأخذ عليه الكثيرون انه خاض انتخابات اتحاد كرة السلة في تشرين الثاني من العام 2008 على لائحة ضد اللائحة المنافسة التي ترأسها بيار كاخيا (رئيس الاتحاد الحالي) والتي دعمها شويري.يومها فازت لائحة كاخيا ب14 عضو مع خرق واحد للدكتور روبير أبو عبدالله .
ومع انتخاب مشنتف رئيساً لنادي الحكمة خلفاً استقدم النادي المدرب السابق لمنتخب لبنان ولأندية الوردية والانترانيك و الشانفيل والرياضي فؤاد ابو شقرا ووقع معه عقداً للاشراف على الفريق في المنتجع الذي يملكه مشنتف على ساحل ذوق مكايل.لكن الخلاف دب بين الرجلين بعد فترة فعادت »اللعنة» تلاحق النادي.
ومع العواصف التي ضربت نادي الحكمة انتخب نديم حكيم رئيساً مع امين سر صاحب الخبرة وهو جوزيف عبد المسيح (ابن نادي الشانفيل والذي تسلم منصب امين عام النادي الأخضر في عهد هنري شلهوب) مع توفير دعم مالي من رجل الاعمال جورج شلهوب نجل الراحل هنري شلهوب.ولن ندخل في تفاصيل وضع صورتين عملاقتين للراحلين انطوان شويري وهنري شلهوب جنباً الى جنب في ملعب نادي غزير مع ما أدى من مشاكل واستياء…
وسعى حكيم الى توفير الاستقرار للنادي الذي لم يحرز اي لقـب في عهده لكنه واجه كالرؤساء السابقين المشاكل بالجملة .
حرب انتخابية
فابتعد حكيم عن الرئاسة ليدخل النادي في «حرب انتخابية» (كان الحكماويون بغنى عنها) ضروس بين لائحة برئاسة مارون غالب مدعومة من القوات اللبنانية ولائحة برئاسة ايلي مشنتف مدعومة من التيار الوطني الحر ففازت لائحة غالب بالكامل ليكون غالب الرئيس الجديد للحكمة وهو «ابن نادي الحكمة» بعد صراع قواتي- عوني وكأن الذين ادخلوا السياسة في الصراع لم يتعظوا من التقارب ومن وثيقة التفاهم التي وقعها زعيم التيار رئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون وقائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع منذ نحو سنة في معراب انهى اكثر من ربع قرن من الصراع حتى ان احد المراقبين البارزين قال «اتفق عون وجعجع ولم يتفق قواتيو وعونيو الحكمة على التهدئة في النادي الاخضر لمصلحة النادي ومسيرته وللعودة به الى الأمجاد».
حالياً، تحاول اللجنة الادارية الحالية برئاسة مارون غالب تأمين موارد و«سبونسر» لسد النفقات والعجز الذي يقع فيه النادي في ظل معلومات تشير الى ان النادي بصدد عقد مؤتمر صحافي في بحر هذا الاسبوع للاعلان عن رعاية احد المصارف الكبرى للنادي الذي يتخبط في المشاكل المالية منذ سنوات .
كيف يبدو الفريق؟
في الموسم الفائت نجح فريق الحكمة بقيادة المدرب ابو شقرا في التأهل الى السلسلة النهائية على الرغم من البداية غير المشجعة في الدور الاول من البطولة لكن نادي الحكمة الذي لا يستسلم تأهل الى النهائي وواجه غريمه النادي الرياضي وخسر امامه(2-4) بعد سلسلة مثيرة مع العلم ان المباراة النهائية السادسة،التي جرت على ملعب نادي غزير، لم تنته نهاية طبيعية.
وفي الموسم الجاري وبعد عشر مباريات يحتل نادي الحكمة المركز السابع (4 انتصارات و6 خسائر) وهو مركز لا يلبي طموحات الحكماويين الذي يزحفون الى ملعب نادي غزير لمواكبة فريقهم «الجريح».
وتضم التشكيلة الحالية للفريق كل من صباح خوري ومحمد ابراهيم وجو غطاس وباتريك عبود وجورج ايف دعبول وبشير عموري وسمير خوري وربيع اسكندر والواعد جورج بيروتي(نجل اللاعب الدولي السابق النجم جورج بيروتي الذي برز في المركزين 2 و3 في منتخب لبنان وفي نادي ابناء نبتون في سبعينيات وثمانينيات القرن الفائت وكان لاعباً مميزاً وهدافاً كبيراً وقناصاً للسلات ) الى جانب لاعبين اجانب على رأسهم الاميركي «الفذ» تيريل ستوغلين .وقبيل بداية الموسم الحالي ، رحل ثلاثة من اركان الفريق عن القلعة الخضراء وهم ايلي رستم(الى نادي المتحد) ورودريك عقل(الى نادي بيبلوس) وهايك غوكجيان(الى نادي هومنتمن).
نادي الحكمة تصيبه اللعنة فهو يمرض ويكتئب ويواجه الرياح العاتية والمصاعب من كل حدب وصوب لكنه لا يستسلم بل ينهض من جديد بدعم من جمهوره العريض الذي يتابع اخباره لحظة بلحظة في ظل كلام يتردّد عن خطة وضعها الجهاز الفني لتعزيز الفريق مع احتمال كبير لاستقدام «النجم» السابق للفريق جوليان خزوع الذي يرتاح حالياً في اوستراليا من اصابة تعرض لها وكلمة السر يملكها فؤاد ابو شقرا الذي يخطط للعودة الى المنافسة على اللقب خاصة في ظل اقتراب عملية تمويل النادي.
نعم نادي الحكمة لا يستسلم ولا ينهار…