يبرهن العرب (الغالبية منهم وليس الكل) على مر التاريخ أن التسلط وحب السيطرة هما حجر الأساس في تفكيرهم وأن السلطة لديهم تفوق أي اعتبارات أخرى. هوس السلطة مشكلة عربية معقده على مستوى الدولة والوزارة والبيت وحتى على مستوى الحب والمشاعر. العربي يريد أن يكون هو الآمر والناهي دائماً، مما يؤدي إلى توليد سلسلة مشكلات عويصة تدمر الهيكلالاجتماعي وتقضي على سيادة مفاهيم العدالة والمساواة والحقوق والعمل الجماعي.ثقافة التسلط في مجتمعنا العربي لا يعلو صوت فوق صوتها، فالرئيس، والوزير، والمدير، الأستاذ، والأب، والحبيب يمارسون سلطتهم المطلقة فتراهم يظلمون ويفجرون ويتجاهلون حقوق الآخرين وآرائهم وأفكارهم. أصبح العربي يولد سلطوياً بفطرته، ويظل على فكرتة هذه مالم تؤثر عليه عوامل خارجية تغير من تفكيره الذي تعلمه وتَشَرَبَه في البيت والمدرسة والحي والجامع والجامعة. وإني لأرى أن العربي عندما يتفاخر بقوته وكبريائة وقبيلته إنما يعكس مدى الجهل القابع في ثنايا مخه ومخيخه، وكأنه ليس من بني الإنسان وإنما يعيش في غابة مليئة بالحيوانات ويريد أن يقول للجميع أنا الأقوى، اتبعوني أنا الزعيم.الفكر المتسلط هو المتحكم في الكثير من مجالات الإنسان العربي، فهو يحدد سلوكيات الناس، وينعكس على قراراتهم من الصغيرة جداً إلى المصيرية منها، كقرارات الحرب والسلام. من وجهة نظري أرى أن الطبقة البرجوازية هي أساس هذه المشكلة التي استشرت إلى أعماق المجتمع. أفراد هذه الطبقة تسلب الكادحين أموالهم وحقوقهم وتستفرد بالثروة وتنهب المال العام، فتتراكم الثروة في أيديهم مما يدفعهم لاستخدام كافة الأساليب الرذيلة لبقاء الثروة في أيديهم فيمارسون سلطتهم في تجويع الطبقات الأخرى وتجهيلها، وشغل الناس بمصارعة الحياة والبحث عن أسباب البقاء، بدلاً من التعرف على حقوقهم والتفكير في استرجاعها.ولأن العربي لا يجدد من ثقافته، يظل مرهون بحبال الماضي ويخاف أن يقطع صلته بتلك الحبال، لأنه فاقد للرؤية التي تساعده من تطوير ثقافته، ويبني حاضراً جديداً متماشياً من العصر والزمن. في التجديد الثقافي والفكري يكمن الحل لمشكلات العربي المزمنة، وخطوة مهمة جداً لكي تساعده في عكس صورة إيجابية وحضارية للإنسان العربي أمام بقية شعوب العالم.قد لا نحتاج إلى الكثير من الجهد لبرهنة فكرة التسلط والسيطرة، فحال المرأة العربية خير دليل على مدى تسلط فئات المجتمع على بعضها البعض، وإقصاء الآخر، وتدمير ذاته، والتشكيك في قدراته، وسلبه حقوق التفكير، والتعليم، والمشاركة في مجالات الحياة المتعددة. غالباً نجد العربي واحداً من اثنين، إما تابعاً مغلوب على أمره أو متبوع مستبد تنحصر رؤيته وأفكاره في أفق ضيق لا يزيد عن التفكير بنفسه وديمومة سلطته وكأن الآخرين تنقصهم القدرات والمواهب لمشاركته في الإدارة واتخاذ القرار.بسبب هذه الأفكار وهذه الرؤية نعيش اليوم حالة فشل عربي كبير وحروب ضروسة جعلتنا مصدر سخرية للعالم، وبلورت صورتنا للأمم الأخرى بأننا أهل الحرب والإرهاب والتشدد الديني. أيها العربي، سواءً رئيساً كنت أو مواطناً، عليك أن تدرك أن تخلفك وهوسك بالسيطرة وصمة عار على جبينك، وليس تشريفاً أو فخراً لك، ولا فائدة لك أن تعيش بمثل هذه المنظومة العقلية في عصر أصبح تطبيق صغير على جهاز المحمول يتجاوز سلطات العالم بأسرة.عند مقارنتنا بين أسلوب التفكير التركي في العهد الكمالي، وأسلوب التفكير العربي منذ ذلك الحين وحتى اليوم، فسوف نجد فجوة كبيرة بين الإثنين في النظر لمفهوم الدولة والمجتمع والتعاطي مع مستجدات الواقع وسبل تطويرها. عند قيام الجمهورية التركية على يد مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك، قام الرجل ومعه الكثير من مفكرين تركيا آنذاك ببناء ست قواعد أساسية تلخص الحياة الاجتماعية، ونظام الحكم، وكيفية العلاقة بين الدولة والمجتمع والاستثمار في العقل التركي والعمل على تطويره.منذ العام 1923م وتركيا عرفت طريقها إلى النجاح، ورغم العثرات الكثيره إلا أنها على الأقل حاولت المشي في الطريق الصحيح رغم قلة الموارد الاقتصادية للدولة في العقود الماضية.
حاول النظام الكمالي بناء المدارس وتطوير التعليم، وقام بثورة الحروف، وثورة الترجمة، والثورة الثقافية في المجتمع التركي لكي يخلق وعياً حضارياً جديداً متماشياً مع العصر والواقع. جدد الأتراك من ثقافتهم الموروثة واستبعدوا الكثير من جزئياتها التي كانت مساهمة وبشكل كبير في تراجع المجتمع التركي وانهيارة أمام المجتمع الأوربي.