وسط اهتمام إعلامي كبير وترحيب واسع من أهالي منطقة سماهيج، أعلنت هيئة البحرين للثقافة والآثار العثور على أول دليل أثري لمجتمع مسيحي في البحرين في منطقة سماهيج من قبل فريق تنقيب بريطاني – بحريني مشترك يعمل بالتعاون مع المجتمع المحلي.
قاد الفريق البريطاني- البحريني البروفيسور تيموثي إينسول والدكتور راتشيل ماكلين من جامعة إكستر والدكتور سلمان المحاري من هيئة البحرين للثقافة والآثار، للعثور على هذا الكشف الأثري المهم، والذي بدأ عمله قبل 3 سنوات تقريبا بناء على طلب من الأهالي أنفسهم.
وقال البروفيسور تيموثي إن هذا الاكتشاف الأثري يعد من أهم الاكتشافات في المنطقة، متوجّها بجزيل الشكر والامتنان إلى الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار لجهودها في دعم المشروع، إضافة إلى شكر المجتمع المحلي في سماهيج لوقوفهم إلى جانب عمليات التنقيب وتقديم كل التسهيلات لفريق العمل.
من جانبه قال الدكتور سلمان المحاري إن هذا المكتشف الأثري دليل على فترة الوجود المسيحي في جزيرة المحرّق، موضحا أن العمل في موسم التنقيبات الحالي قد توقّف مؤقتا، وأعرب عن أمله في أن يحمل الموسم القادم خلال عام 2020 مزيدا من الاكتشافات في منطقة سماهيج والدير وصولا إلى قلالي.
ولطالما ذُكر اسم سماهيج في التاريخ المسيحي للمنطقة، ولكن لا مكان لها في علم الآثار، حيث لم يُعثر فيها مسبقا على أي بقايا أثرية، إلا أن التنقيبات الأثرية الحالية كشفت عن الحلقة المفقودة. ويتكون موقع التنقيبات من تلة مرتفعة تقع في وسط مقبرة سماهيج يعلوها بقايا مسجد صغير يُعرف باسم «مسجد الشيخ مالك»، ربما يعود الى القرن 17 الميلادي، وأسفله يوجد المبنى المسيحي. والاكتشاف الأثري هو عبارة عن مبنى كبير يبلغ طوله 17 مترا فيما يبلغ عرضه 10 أمتار، والذي ربما كان جزءًا من دير أو منزل كبير.
وقد تم تنقيب التل واستيضاح معالمه قبل ما يقرب من ثلاثة أعوام من قبل هيئة البحرين للثقافة والاثار بطلب من الأهالي، إلى أن تم استئناف العمل فيه من جديد هذا العام بواسطة فريق بريطاني بحريني مشترك.
وبناء على دراسة الفخار المكتشف في الموقع، بواسطة البروفيسور روبرت كارتر، تبين أن تاريخه يعود إلى القرن السابع الميلادي، ومن المحتمل أن يكون المبنى مشغولًا ومأهولا في القرن السابع الميلادي قبل اعتناق أهالي هذه المنطقة الإسلام.
ويتكون المبنى من عدة غرف مزينة بالجص المنحوت والمزخرف، حيث عُثر على قطعة حجرية محفور عليها نقش صليب وجزء منه تالف. فيما تم العثور على صليب آخر ملون على كسرة وعاء فخاري مزجج. كما تم العثور على العديد من كسر الأوعية الفخارية المستخدمة في تخزين وشرب النبيذ. لذا، من المحتمل أن هؤلاء المسيحيين كانوا جزءًا من الكنيسة النسطورية التي ازدهرت في الخليج على الأرجح بين القرنين الخامس والسابع الميلادي.
وقال سلمان المحاري إن الخطة المستقبلية للتنقيب تشمل التوسع في البحث والاستكشاف في مقبرة سماهيج والمناطق المحيطة بها سماهيج والدير وقلالي، باعتبار أن هذه المسميات التي يعتقد أن لها علاقة بالمسيحية، مشددا على أنه عندما بدأت أعمال التنقيب في المقبرة كان هناك عائق يتمثل في وجود قبور إسلامية تم دفن أصحابها في نفس المكان خلال فترات لاحقة للحقبة المسيحية، وبلغ عدد القبور التي تم العثور عليها ما بين 12 و15 قبرا إسلاميا موجودة في وسط المكان، وتمت المحافظة عليها جميعا، رغم أنها كانت تعيق عمليات التوسع في التنقيب.
وأضاف أن الخطة تشمل التوسع في الجهة الثانية من الاكتشاف الحالي، مشيرا إلى ان وجود القبور لن تعيق عمل فريق التنقيب في المستقبل، في ظل التعاون الإيجابي من المجتمع المحلي والأهالي في منطقة سماهيج، حيث نتطلع إلى استمرارية التعاون للبدء في العمل في الأجزاء الأخرى الموجودة بين فراغات القبور، حتى نستطيع أن نظهر جميع معالم المبنى المكتشف اليوم.
ولفت إلى أن عمليات التنقيب في هذه المنطقة بدأت قبل 4 سنوات، حيث تم العثور على المسجد الموجود بالأعلى الذي نعتقد أنه يعود إلى القرن السابع عشر، وأسفله وجدنا جدارا مع نفس جدار قبلة المسجد، ولكن يختلف في اتجاهه عن اتجاه القبلة، وحجمه أكبر وهو مبني بشكل أفضل، وحينذاك أوقفنا عملية التنقيب لحين وصول فريق مختص، وهو الذي أشرف على اكتشاف هذا الأثر بعد 3 أسابيع من أعمال التنقيب التي بدأت في أول شهر نوفمبر الجاري، حيث عكف الخبراء على دراسة المكان ومحتوياته.
وقال المحاري إن فريق التنقيب استعان بالمهارات اليدوية والأدوات اليدوية في كل المساحة التي تم التنقيب فيها عن الكشف الأثري.
وأضاف أن هذا الكشف هو أول دليل مادي يتم العثور عليه ويؤكد وجود المسحيين في مملكة البحرين، مشيرا إلى أن كل أعمال التنقيب سجلت اكتشافات تعود إلى فترة دلمون وتايلوس والفترة الإسلامية، أما عن الحقبة المسيحية فإننا كنا نقرأ عنها فقط وعن وجود كنائس وأديرة مسيحية في إقليم البحرين القديم، وهذه المرة هي الأولى التي نعثر فيها على دلائل مادية.
وحول أسباب اعتبارهم أن الكشف قد يشير إلى دير أو كنيسة، أوضح سلمان المحاري أن طريقة تقسيم المبنى وكبر مساحته مقارنة ببعض المعالم المسيحية الموجودة في منطقة الخليج، تشير إلى أن هذا المبنى قد يكون إما جزءا من دير أو كنيسة، وهو أمر لا يمكن تأكيده إلا بعد توسعة عمليات التنقيب ليتم الكشف عن كامل ملامح المكان.
وبشأن دلالة تزاوج المعالم المسيحية والإسلامية في ذات المواقع في البحرين، قال سلمان المحاري إن هذا الكشف يؤكد سمة التسامح الموجودة لدى شعب البحرين منذ فترة دلمون، حيث كانت البحرين ملتقى ثقافات العالم، وكان يأتيها من كل أنحاء العالم الراغبون في تبادل السلع التجارية وكذلك الأفكار والثقافات، وهو ما ثبت كذلك في فترة تايلوس إضافة إلى الفترة الإسلامية حيث عثرنا في مسجد الخميس ومنطقة البلاد القديم على الدلائل التي تؤكد الامتزاج بين الثقافات والتسامح على أرض البحرين، موضحا أنه تم العثور في منطقة البلاد القديم على بعض عظام لكائنات حية لا يأكلها المسلمون، ووجودها يؤكد التنوع في هذه المنطقة، وهو ذات الأمر الذي حدث خلال الفترة المسيحية.
وأضاف أن المكان بقي كما هو رغم أن المسجد بني فيه، لكن يبدو أنهم كانوا يعلمون أن هناك كنيسة في هذه المنطقة، حيث نلاحظ أن المكان المقدس يبقى مقدسا عند جميع الديانات، وهو ما يظهر جليا في منطقة الدير، حيث يوجد مسجد الراهب الذي يعتقد أن أسفله دير بنفس الاسم، وهو من المواقع التي تتضمنها خطة التنقيب فيها، مؤكدا أن هذه سمة التسامح التي يتميز بها أهل البحرين منذ ذلك الزمن.
وبشأن وجود أي تحفظات من الأهالي على أعمال التنقيب، نفى سلمان المحاري وجود أي معوقات من أهالي منطقة سماهيج، مؤكدا أن عملية التنقيب جاءت بطلب من الأهالي أنفسهم، حيث بدأ الأمر بشأن التنقيب عن أحد المساجد في نفس الموقع، وعندما نقبنا وعثرنا على آثار مسيحية زاد دعم الأهالي لنا، وحرصوا على حثنا على مواصلة التنقيب للوصول إلى مزيد من المؤشرات، مضيفا أنه عندما أخبرناهم عن القبور الموجودة في الموقع رصدنا ترحيبا منهم لعمل أي شيء لاستكمال أعمالنا، ولكننا فضلنا المحافظة عليها.
وتابع قائلا «بمجرد إعلان الكشف الأثري تفاعل الأهالي مع الأمر، وحضروا بكثافة لمشاهدة الإعلان الرسمي، معبرين عن سعادتهم بهذا الاكتشاف».
وكشف المحاري عن أن فريق التنقيب سوف يعود لاستكمال أعماله العام القادم في الفترة نفسها، مشيرا إلى أن التوسعات في الموقع المكتشف سوف تكون أفقية ورأسية بالإضافة إلى أعمال مناطقية محيطة بسماهيج كالدير وقلالي.