رهنت «حماس» قرارها لإيران، وها هم قادتها، بعد عام من أحداث السابع من أكتوبر يعيشون داخل الأنفاق، بينما يعيش سكان غزة لاجئين مشردين من قطاعهم، الذي دمرت بنيته التحتية، نازحين من بيوتهم التي سويت بالأرض، ينعون أكثر من 41 ألف قتيل من أهلهم وأقربائهم وأصدقائهم، وأكثر من مئة ألف جريح، والمستقبل أمامهم مفتوح على كل الاحتمالات.
رهن «حزب الله» قراره لإيران، وها هم قادته يتعرضون للاغتيال والمطاردة من القمة إلى القاعدة، وها هي بنيته العسكرية تتعرض للتدمير من جنوب لبنان إلى شماله ومن شرقه إلى غربه، وها هم المواطنون اللبنانيون يتحولون إلى لاجئين في بلدهم، نازحين من قراهم ومدنهم، تاركين بيوتهم ومزارعهم ومصالحهم، ينتظرهم المجهول الذي قادهم حزب الله إليه.
الارتماء في حضن إيران أعاد العراق سنوات إلى الوراء، وحوله إلى بؤرة للجماعات والتنظيمات والميليشيات الطائفية المسلحة، التي تفرض إرادتها على الدولة وتستقوي عليها، وتحصرها في زاوية ضيقة، وتحرجها أمام المجتمع الدولي والعالم كله.
الارتماء في حضن إيران مزق سوريا، وجعلها تتحول إلى قاعدة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله، اللذين ارتكبا مجازر رهيبة ضد السوريين تحت مظلة طائفية بغيضة لم تعرفها سوريا من قبل.
الارتماء في حضن إيران جعل شمال اليمن يتحول إلى رهينة في أيدي الحوثيين، ولولا دول التحالف العربي التي أنقذت جنوب اليمن من قبضتهم لكانت اليمن كلها، بشمالها وجنوبها، بؤرة للإرهاب الممنهج، ومصدراً لإزعاج المنطقة كلها، وزعزعة أمنها.
ماذا لو أن كل هؤلاء جعلوا مصلحة أوطانهم وأمتهم فوق مصالحهم الخاصة وانتماءاتهم الطائفية؟ هل كانت الأوضاع ستؤول إلى ما آلت إليه الآن، ويتم تمزيق الأمة والأوطان بهذا الشكل المروّع؟
يوم الجمعة الماضي، وقبل ساعات من اغتيال أمين عام حزب الله «السابق» حسن نصر لله، أعلن وزير خارجية المملكة العربية السعودية، الأمير فيصل بن فرحان، من مقر الأمم المتحدة، عن إطلاق تحالف دولي لتنفيذ حل الدولتين، ودعا باسم الدول العربية والإسلامية وشركائها الأوروبيين إلى الانضمام لهذه المبادرة، مؤكداً أنهم سيبذلون قصارى جهدهم لتحقيق مسار موثوق لا رجعة فيه لسلام عادل وشامل، وتطلع إلى سماع ما لدى الدول الأخرى للإسهام في إنهاء الصراع حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، ووجه الدعوة لعقد أول اجتماعات التحالف في المملكة العربية السعودية، من أجل وضع خطة عملية لتحقيق أهداف التحالف المتمثلة في تحقيق السلام المنشود.
قبل ستة أشهر تقريباً، قال رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، للموفد الرئاسي الأمريكي أموس هوكشتاين، من باب المزاح، إن نقل نهر الليطاني إلى نقطة أخرى أسهل بكثير من إبعاد قوات الرضوان عن الحدود الجنوبية للبنان، فعند أي حدود تقف قوات الرضوان الآن؟
في بيان نعيه لأمينه العام «السابق» يوم السبت الماضي، عزّى «حزب الله» اللبناني المرشد الأعلى للثورة الإيرانية قبل أن يعزي «الشعب اللبناني» في وفاة قائده، فأي ارتهان للخارج، وأي انسلاخ عن الوطن أكثر من هذا؟
نعتقد أنها فرصة سانحة للتوقف لحظة، وتأمل ما حدث لأوطاننا العربية عندما انسلخ جزء من أبنائها عن انتمائهم العربي، ورهنوا قرارهم ومصير أوطانهم للخارج. وهي فرصة أيضاً لإعادة ترتيب البيت العربي الذي مزقته الخلافات والانتماءات لدول خارجية تفكر في مصالحها فقط، وتضع مصالح الذين يرهنون قرارهم لها في ذيل قائمة اهتمامها، وتتخلى عنهم عندما تتعارض مصالحها وأحلامها وطموحاتها مع مصلحتهم.
العودة إلى الحضن العربي في هذا الظرف التاريخي الدقيق ضرورة تفرضها مصلحة الأوطان والشعوب ومصلحة الأمة العربية، وعلى كل من يشكك في هذا أن يعود إلى ما حدث للأمة عندما رهن بعض أبنائها قرارهم للخارج.
إنها فرصة لإعادة حساب الأرباح والخسائر، ليس حساب الأرباح والخسائر الشخصية، وإنما أرباح وخسائر الأمة التي يدّعي كل طرف أنه وحده الأمين عليها، في الوقت الذي تخسر فيه الأمة كل يوم بسبب تهور هؤلاء الأمناء وقراراتهم الرعناء ومغامراتهم الجنونية وارتهانهم للخارج.
العودة إلى الحضن العربي قرار يفرضه المنطق والواقع والتجارب المريرة التي مرت بها الأمة، وإذا كان ما مضى صعباً وخطيراً، فإن القادم أصعب وأخطر أكثر مما نتوقع.