تسجيل الدخول

الصوم جهاد للنفس وطاعة للرحمن

دين ودنيا
زاجل نيوز15 يونيو 2016آخر تحديث : منذ 9 سنوات
الصوم جهاد للنفس وطاعة للرحمن

images38

الصوم عبادة بدنية روحية تهذب النفس, وترتقي بها في سلوكها وتصرفاتها, ويسمو فيها الصائم بروحه وعبادته على مغريات الدنيا, طلبا ورغبة فيما عند الله تعالى, فينتصر فيها الصائم على شهواته, ورغباته وملذاته, ليصل إلى مرتبة التقوى. يقول تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون». سورة البقرة:183, ومن معاني التقوى: الخوف من الله تعالى بترك ما نهى عنه, وفعل ما أمر به, فلا يراك حيث نهاك, ولا يفتقدك حيث أمرك, وفي التقوى جهاد للنفس وتهذيب للأخلاق, وتنمية للفضيلة في نفس المسلم, والتقوى سلاح المؤمن وحصنه الحصين الذي يحتمي به ويلجأ إليه. يقول تعالى: «ومن يتّق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب». الطلاق: 2-3, وفي الصيام يُحقق المسلم التقوى في عقيدته وعبادته وسلوكه وتصرفاته, فهو في جهاد دائم مع نفسه الأمارة بالسوء, ومع نفسه اللوامة ليصل بها إلى مرتبة النفس المطمئنة, وجهاد النفس أعظم الجهاد وأشده, وهو الجهاد الأكبر كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حينما رجعوا من إحدى الغزوات منتصرين فرحين بنشوة النصر, فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: فيما أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد عَن جَابر قَالَ: قدم عَلى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قوم غزَاة فَقَالَ: قدمتم من الْجِهَاد الْأَصْغَر إِلَى الْجِهَاد الْأَكْبَر, قيل: وَمَا الْجِهَاد الْأَكْبَر؟ قَالَ: مجاهدة العَبْد هَوَاهُ. وروي أن ذلك كان في غزوة تبوك,. والمؤمن يراقب نفسه وتصرفاتها, ويجاهدها ليلزمها طاعة ربها. يقول تعالى: «ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها». الشمس:7 – 10, ويقول تعالى: «وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى». النازعات: 40-41, وفي الصوم يترك الصائم ما أحله الله له في غير نهار رمضان من شهوتي البطن والفرج, ليكون أهلا لترك ما حرم الله في رمضان وفي غير رمضان, وهذا هو الهدف الأسمى من الصيام, الذي توضحه الآية المباركة في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون». سورة البقرة: 183, والصوم تهذيب وتربية للنفس وارتقاء بها في مكارم الأخلاق. فليس المقصود من الصوم مجرد الإمساك عن المفطرات والشهوات ثم يترك لنفسه أن تفعل أو تقول ما تشاء وقتما تشاء, يوضح هذا المعنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يرويه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». والمراد بقول الزور في الحديث هو: كل قول وعمل نهى عنه الشرع عموما, كشهادة الزور, والغيبة والنميمة, والوقيعة بين الناس, والإفساد في الأرض, وترويع الآمنين, والاعتداء على الممتلكات والأعراض, والخوض في الباطل, ورؤية ما حرم الله ورسوله, وحضور مجالس اللغو واللهو والباطل, فكل ذلك ينافي الحكمة من الصيام, لأن الصائم لا بد له من مجاهدة نفسه, بإلزامها طريق الطاعة والتحلي بمكارم الأخلاق, واجتناب كل ما نهى الله عنه. يقول تعالى: «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا». الإسراء: 36, ومن صفات عباد الرحمن أنهم لا يحضرون مجالس اللغو, ويُعرضون عنها, تنزيها لأنفسهم عن حضورها, وإذا مروا بمجالس اللغو مرّوا مرور الكرام فلا يشاركوا فيها بقول ولا يحضروا سماعها, حتى لا يحملوا من آثامها. يقول تعالى: «وإذا مروا باللغو مروا كراما». الفرقان: 72, ويقول تعالى: «وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين». القصص: 55, ويقول تعالى: «قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون, والذين هم عن اللغو معرضون». المؤمنون:1 – 3, فمن صفات المؤمنين الصادقين الذين ثبت لهم الفلاح في الدنيا والآخرة الخشوع في الصلاة والإعراض عن اللغو بكل صوره وأشكاله, وحتى يكون الصوم مقبولا لا بد أن يجتنب المسلم اللغو ومجالسه, وأن يتأدب بأدب الإسلام, في سلوكه وتصرفاته, فإن اعتدى عليه معتد أو جهل عليه جاهل فإنه يقابل جهله وسفهه بالحلم والعفو والصفح ويتمثل قول الله تعالى: «وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما. والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غرامها». الفرقان: 63- 65, ويقتدي بقول الله تعالى: «فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يُحب الظالمين». الشورى: 40, وفيما ورد من السنة المطهرة في سلوك الصائم وفيما يجب أن يتحلى به من مكارم الأخلاق من العفو والصفح عمن أساء واعتدى, ما رواه البخاري ومسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ, وَلاَ يَجْهَلْ وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ, أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي. الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا». وهكذا يجاهد الصائم نفسه ليصل إلى مرضاة ربه, فلا يرد السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصبر, ليكون أهلا لعفو الله في هذا الشهر, وليكون من المقبولين وممن أعتق الله رقابهم من النار في هذا الشهر العظيم.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.