ولدت الشاعرة نبيلة الخطيب في مدينة الزرقاء في الأردن ونشأت في قرية الباذان قرب مدينة نابلس في فلسطين، وتخرجت في الجامعة الأردنية بكالوريوس لغة إنجليزية عام 1996، وهي عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ورابطة الكتاب الأردنيين. عملت في التدريس لأكثر من عشرين عاما. وصدرت لها عدة دواوين شعرية منها: صبا الباذان، ومض الخاطر، صلاة النار، عقد الروح، هي القدس، ومن أين أبدأ..؟!
كما نالت عدة جوائز وتكريمات في مسيرتها الأدبية، ونوقشت أشعارها في عدة دراسات لنيل الماجستير والدكتوراة في عدة دول. ترجمت بعض أشعارها إلى الإنجليزية والفرنسية والأوردية ولغاتٍ أخرى. ولها نتاج أدبي منشور في أدب الطفل. عن تجربتها الشعرية وآرائها حول بعض القضايا ذات الصلة كان هذا الحوار ..
■ بداية .. أين أنت من تجريب قصيدة النثر؟
□ قصيدة النثر هي نوع أدبي قائم بذاته، حيث إنها مرت بمراحل عدة من التغيير والتطوير حسب متطلبات العصر والذوق الأدبي العام. فهي ليست شكلاً من أشكال التطوير للقصيدة الكلاسيكية ولا للنثر الكلاسيكي. ربما لم أعلن نفسي كاتبة لهذا النوع الأدبي الذي له مواصفاته التي تميزه عن الشعر والنثر، وإن كانت هذه المواصفات غير راسخة المعالم، وضبابية الملامح في معظمها، لدرجة أن الكثير منها ما زال موضع خلاف بين كتاب قصيدة النثر أو المنظرين لها. ولكن بالنسبة لي فليس هناك ما يمنع من خوض تجربة الكتابة في هذا الفن حين أجد في نفسي الكفاءة والميل للتعبير من خلاله. فالكاتب، حسب تجربتي، لا يفرض على نفسه الأسلوب الذي سيعبر به عن نفسه، بل إن الأسلوب هو الذي يتجلى للكاتب بقوة لينتج من ذلك عمل أدبي تلقائي بعيد عن التكلف يحقق التواصل بين الكاتب ومتلقيه من خلال مصداقية الرسالة الأدبية شكلاً ومضموناً.
■ هل على الشاعر توظيف شعره لمواكبة الحدث أو المناسبات، أم أن عليه فقط كتابة نفسه؟
□ الحدث هو جزء من حياة الشاعر وتجربته، أقول الحدث ولا أقول المناسبات المعَدّ لها مسبقاً. فحين يكون الحدث مؤثراً في الشاعر، قد يدفعه ذلك إلى التعبير عن ذلك التأثر بطريقة أو بأخرى، حسب تأثير الحدث من حيث قوته وأهميته بالنسبة للشاعر ومن حيث الظروف المواكبة الخاصة بالمبدع أو المتعلقة بما حوله، فالكتابة الأدبية عامة والشعر خاصة أمر معقد لا يمكن تحقيقه بشكل آلي وآني، فقد يكون الحدث من القوة لدرجة أنه يُلجم الشاعر عن التعبير عنه، ويحتاج معه إلى وقت معين حتى يتمكن من التعبير عن شعوره حياله. فالشاعر ليس مؤرخاً ولا كاتب تقارير حول الأحداث اليومية، وإنما هو مبدع يعبر بالقصيدة عن وقع الأحداث على نفسه وتفاعلها وتداعياتها وربما استشرافه لما بعدها.
■ يربط الكثيرون الأدب النسوي بحركة تحرير المرأة من سطوة الذكورية، فإلى أي مدى أثر هذا الفكر في خفوت وقلة الأسماء الأنثوية، قياساً للذكورية؟
□ لست ميّالة إلى تصنيف الأدب الإنساني على أساس الذكورة والأنوثة تبعاً لجنس من يكتبه، فالأدب هو الأدب. ويمكن أن يخضع للتصنيف حسب جودته وفنياته، أو نوعه. بمعنى جنس العمل الأدبي وليس جنس المبدع. ولست أنكر أنه قد تكون للمرأة المبدعة بعض لمساتها الأنثوية من حيث الصورة والمفردة، ولكن ذلك يعدّ من الأسلوب الذي لا يبرر لنا أن نجعل منه قاعدة للتصنيف. أما بالنسبة للخفوت النسبي لبعض الأصوات النسوية، فإن المرأة المبدعة كثيراً ما تواجه تحديات من المجتمع ربما بذريعة الحفاظ عليها من المخاطر المحتملة للشهرة، مثل الانتقاد الاجتماعي الذي قد يصل إلى حد الاتهام الأخلاقي، الذي يمس سمعة المرأة وعائلتها، وبخاصة إذا كان المحيط المقرَّب من المبدعة لا يؤمن بأهمية موهبتها، ولا يجد في نفسه الاستعداد لتحمّل التبعات الاجتماعية من جراء سلبية النظرة تجاه ظهور المرأة وبروزها. لذلك كثيراً ما نجد المرأة نفسها حارسة لهذه القوانين الاجتماعية التي تشكل عليها قيوداً صارمة في معظمها. ففي المجتمعات العربية بشكل خاص تحرص الأم على تهيئة ابنتها لتكون زوجة وأمّاً بالدرجة الأولى، وتنحي الاهتمام بفكرة الإبداع الأدبي أو الفني خشية أن يتعارض موضوع الإبداع مع مهام المرأة الأساسية ويبعدها عن محيط الأسرة. وهذه المخاوف تجعل المجتمع ينظر إلى إبداع المرأة على أنه مهدِّد لأمان الأسرة واستقرارها. ما يعني أن رحلة نجاح المبدعة قد تكلفها كثيراً من التضحيات التي تفرض على الكثيرات الانسحاب من المعركة المفتعلة ضد الإبداع. وقليلات هن المحظوظات اللواتي تهيَّأ لهن ظروف النجاح بأقل الخسائر.
انعدام النضج والخبرة لدى الطفل يجعلانه غير قادر على التمييز بين الجيد والرديء أو بين الصحيح والخطأ، لذلك هو غير مؤهل للاختيار أو الحكم على ما يقدَّم له، كما هو الحال عند البالغين.
■ ككاتبة وجهت العديد من إصداراتها للطفل، ما أهم ما يجب مراعاته عند الكتابة للأطفال؟
□ ينبغي أن تكون لدينا الكفاءة اللازمة حتى نعطي لأنفسنا حق الكتابة للطفل، فالكتابة للطفل هي إحدى أصعب المهام وأخطرها، ذلك لأننا من خلالها إنما نبني شخصيته عاطفياً أو نفسياً وفكرياً وفنياً واجتماعياً وسلوكياً. فالطفل كيان من اللواقط الحساسة التي تستقبل بل تتشرب كل ما يوجه له لبناء تجربته وخبراته من الصفر تقريباً. فانعدام النضج والخبرة لدى الطفل يجعلانه غير قادر على التمييز بين الجيد والرديء أو بين الصحيح والخطأ، لذلك هو غير مؤهل للاختيار أو الحكم على ما يقدَّم له، كما هو الحال عند البالغين. من هنا تبرز مسؤولية الكبار لانتقاء الرسائل التي ستسهم في بناء إنسان وبالتالي مجتمع. والمسؤولية هنا مشتركة بين المبدع حين يكتب، وأولياء الأمور حين يوفرون لأبنائهم سبل الحصول على المعرفة العلمية والإبداعية، وكذلك المؤسسات التعليمية والثقافية كل في مجاله.
وأرى أن على الكتاب الارتقاء بذوق الطفل تدريجياً بما يناسب مرحلته العمرية، بذلك لا بد من مخاطبته من خلال النصوص الإبداعية بما لا يستعصي على فهمه أولاً، وبما يرتقي بذوقه وفكره ومهاراته ثانياً، وبما يقدم له المعلومة الواضحة دون اللجوء إلى الغموض المغرق، وأهم ما في أسلوب الكتابة للطفل هو أن تجعل منه مركز البؤرة التي تنطلق منها، فعلينا الارتقاء بأنفسنا إلى مستوى الطفل، ولا أقول ننزل إلى مستواه، وعلينا أن نخاطبه من زاويته، فنجعله يشعر أنه هو الكاتب.
■ أضحى الغموض ظاهرة شائعة في الشعر العربي الحديث، خلقت فجوة عميقة بين الشاعر والمتلقي، فما سر ملازمته لأغلب التجارب الشعرية الحديثة؟
□ الغموض في الشعر أمر إيجابي مطلوب، ولكن شريطة عدم الإغراق فيه حدّ الإبهام. فالغموض بمعناه الإيجابي هو خلاف المباشرة المسطّحة والتقريرية الجافة. إنه الإيحاء الذي يقع بين الخفاء والتجلي. والقارئ يملأ مواضع الإبهام هذه غالباً بشكل لا شعوري ليصل بذلك إلى التحقق العياني الذي لا يتحقق فهم العمل الأدبي إلا به. فهذا النشاط يكون إبداعياً بالنسبة للفرد القارئ.وهذه الفراغات التي يشكلها الغموض تدفع القارئ للبحث عن قراءات متعددة لتأويل النص الإبداعي وفهمه، مما يثري النص ويؤكد على تجدده من خلال القراءات. بينما النص المسطح هو نص استهلاكي لا يحتمل القراءة التأويلية أكثر من مرة واحدة. ولكنني أؤكد على أن الكاتب لا يخاطب نفسه من خلال نصه، وإنما يكتب ليقرأه الآخرون، فلا بد له من وضع خيوط للتواصل وإشارات في النص حتى لا يشعر القارئ أنه يدور في متاهة ولا يصل إلى أي معنىً أبداً.
■ إلى أي مدى يؤثر النقد في لحظة الكتابة لديك؟
□ حين يبدأ النص بالبزوغ أترك له الحرية ليتشكل كما هو. وحين أفرّغ الدفقة الشعرية أعمد إلى العناية بالنص بصفتي الناقد الأول له، حتى أشعر بالرضا عما كتبت، مع أن الرضا يبقى نسبياً، لأن الشاعر قد يرى ما يستحق التعديل في نصه من وقت لآخر. ولكن كل التعديلات تجرى قبل أن يُنشر النص، لأنه إذا نُشر فإنه يخرج من ملكيتي الخاصة ويصبح ملكاً للقارئ، ناقداً كان أو غير ناقد. فالنقد لا يؤثر بي لحظة الكتابة، ولكنني أستفيد منه بعد أن يكون النص قد أُنجز، وأستقبل ردود الفعل حوله بفرح واهتمام، لأنها وإن لم تؤثر في تشكيل النص، إلا أنها تثريه وتسلط الضوء عليه أو على بعض جوانبه.
■ نلت عدة جوائز في مسيرتك الأدبية، فمتى وإلى أي مدى تخدم الجوائز مسيرة المبدع الأدبية؟
□ الجوائز هي شهادة أو إقرار بتميز الإنتاج الإبداعي، ومع أن الجوائز لا تصنع المبدع لأنه يكون قد نالها عن إنتاج إبداعي منجَز، إلا أنها تمنحه حالة من الرضا والارتياح بل والبهجة لأنه يشعر بتقدير ذوي الاختصاص لإبداعه، ولأنها تسلط عليه الأضواء من خلال احتفاء وسائل الإعلام بتجربته، وتلفت إليه أنظار النقاد والقرّاء على حدٍ سواء. وتشكل الجوائز نوعاً من التحفيز للمبدع كثيراً ما يوصله إلى حال من القلق والتوتر، حيث يبدأ مرحلة جديدة من التحدي مع ذاته المبدعة، محاولاً أن يتجاوز النجاح الراهن إلى نجاحات أخرى، فالتوقف عن التطور يعني النهاية، وهذا ما يثير لديه المخاوف.
الشاعرة الأردنية نبيلة الخطيب… الأدب إنساني بطبعه ويجب الاحتكام إلى العمل وليس جنس المبدع
رابط مختصر
المصدر : https://zajelnews.net/?p=86461