يصعب الحديث عن مؤتمرات شركات المعلوماتيّة الكبرى في أميركا، من دون استخدام أرقام ضخمة في الأشياء كلها، التي تبدأ من أرقام الأموال التي تتدفّق بين مسارات تلك الشركات (شركة «آبل» Apple هي الأضخم عالميّاً وتفوق قيمتها نصف تريليون دولار)، وتمر بأعداد المتمرسين في التقنيّات الذين يشاركون فيها (في العادة، يفوق عدد المهندسين وحدهم العشرة آلاف مهندس معلوماتي) ولا تنتهي بالقاعات الضخمة التي تحتضن معارضها وجلساتها ولقاءاتها وأعداد فاعلياتها وحواراتها وغيرها.
في مؤتمر «عالم «إي أم سي2» EMC2 World الذي عقد في «لاس فيغاس» أخيراً، أضيفت إلى تلك الأرقام، ضخامة الفندقين المترابطين («بلازيو»- «فنيشيان») اللذين استضافا المؤتمر ومعظم جمهوره، وهما الأضخم في «لاس فيغاس». يكفي القول أن مساحة تقاطعها تضمّ أقنية مائيّة تسير فيها قوارب جندول كي تحاكي فعليّاً ما يحصل في مدينة «البندقية» الإيطاليّة. ويكفي القول أيضاً أن الذهاب من ردهة الفندق إلى قاعة لفاعليّة ما، يفرض المشي لقرابة ربع ساعة.
كلينتون وظلال سنودن
عند الذهاب مشياً للقاء أحد كبار مهندسي التقنية المعلوماتيّة في «إي أم سي2»، تلتقط العين على شاشات التلفزة المنتصبة في المطاعم والمحلات الكثيرة في ممرات الفندق «المزدوج»، مشاهد الأخبار الرئيسيّة عليها. وحينها، جذبت كايت ميدلتون المزاج العام إليها بظهورها على غلاف العدد المئوي لمجلة «فوغ» Vogue الشهيرة التي رشّحتها لتكون الملكة المقبلة لإنكلترا، ما أعاد أيضاً صور الراحلة الليدي ديانا على الشاشات. وكذلك برز اكتساح المرشح الحاد المزاج دونالد ترامب لانتخابات الحزب الجمهوري، مع تصريحات للقطب الجمهوري المعروف جون ماكين يصرّ فيها على الوقوف بوجه البليونير ترامب «مهما كان الثمن… إنها معركة حياتي»، وفق كلمات المرشح الجمهوري السابق للرئاسة.
وتكرّر أيضاً عرض أشرطة لـ «هاكر» أميركي أكّد أنّه اخترق البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأميركيّة السابقة أكثر من مرّة. وبالنسبة إلى من يهتم بالشأن المعلوماتي، يصعب ألا تذكّر مشكلة كلينتون مع بريد «جي مايل»، بمسائل الخصوصيّة والحريّات الفرديّة، خصوصاً بعد الوثائق التي كشفها خبير المعلوماتيّة الأميركي إدوارد سنودن، وبيّنت أن «وكالة الأمن القومي» تمارس تجسّساً إلكترونيّاً شاملاً على الكرة الأرضيّة بأكملها.
في عبق تلك الأجواء، حصل اللقاء مع المهندس إدوارد نيومان، المسؤول على المستوى العالمي عن التقنيّة الرقميّة المسمّاة «حوسبة السحاب» Cloud Computing في شركة «إي أم سي2». ويعني ذلك أن نيومان في موقع حسّاس تماماً في تلك الشركة التي اشتهرت بتقنيّاتها في «السحاب» الرقمي التي هي خزّانات ضخمة للمعلومات بأنواعها كافة، كما تمكّن من تقديم خدمات معلوماتيّة شاملة استناداً إلى تلك الخزّانات الهائلة.
الهجين والمتمازج
لاحظ نيومان الترابط بين «السحب الرقميّة» وظاهرة «البيانات الضخمة» Big Data التي تشير إلى الضخامة الأسطوريّة للمعلومات المخزّنة على الشبكات، وضمنها معلومات شخصيّة وفردية من الجمهور كتلك التي تأتي من وسائل الاتصال الاجتماعي. وأشار إلى أنّ المعلومات تتدفّق إلى «السُحُب» من الخليوي والـ «تابلت» وسواهما من الأجهزة المتنقّلة، إضافة إلى الإنترنت نفسها.
واستطراداً، صارت مسألة العلاقة بين «السُحُب» و «البيانات الضخمة»، إضافة إلى هندسة «السحب» والعلاقات بين بعضها بعضاً (وهي تكون مملوكة لشركات ومؤسّسات وحكومات)، أمراً محوريّاً في عوالم المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة. ونأى نيومان بنفسه عن التعليق على موضوع كشوفات سنودن، مشيراً إلى أن الدول أيضاً تتفاوت في طريقة حمايتها معلومات مواطنيها.
وكذلك لاحظ المهندس نيومان أن المستقبل بات رهناً بـ «السُحُب» التي تتداول عوالم المعلوماتيّة نقاشات عن أنواعها. «أعتقد بأنّ «السُحُب الهجينة»
Hybrid Clouds هي صورة المستقبل القريب، بل إنها تحدّد مسار المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة بأكمله. حاضراً، نحن نشهد تغيّراً في النظرة إلى «السحابة» التي لم تعد مجرد مخزن، بل تؤدّي أيضاً دور تقديم خدمات المعلوماتيّة كلّها. حاضراً، نحن نتحدث عن «السُحُب الموضعيّة» التي يغطي عملها مؤسّسة بعينها بمنشآتها وموظّفيها، مهما اتّسع حجم تلك المؤسّسة، بل هناك تقنيّات للتعامل مع ما يكون ضمن المنشآت وما هو خارجها.
هناك أيضاً من يتحدث عن «سُحُب عامة» Public Cloud، ربما تكون على مستوى دولة أو تتشارك فيها دول عدّة أو تكون عالميّة. وبديهي أن تكون الشبكات هي الأقنية التي تحمل المعلومات إلى «السُحُب»، لكن الأهم أن الانترنت صارت أيضاً ممراً للخدمات التي تقدّمها «السُحُب»، وهي خدمات تشمل مناحي الحياة كافة. إذاً، بالنسبة إليّ، أرى أن المستقبل هو أن يزول التمييز بين «السُحُب»، لمصلحة نوع واحد منها هو «السحُب الهجينة». وتتميّز «السُحُب الهجينة» بأنها تمزج بين خدمات أنواع «السُحُب» كلها، كما تتيح أن يتم «تفصيل» تلك «السُحُب» كي تتلاءم مع المتطلّبات المتنوّعة للشركات والمؤسّسات والحكومات والأفراد».
«السُحُب الهجينة» صورة الزمن الآتي
رابط مختصر
المصدر : https://zajelnews.net/?p=14341