حين يتحدث المتحدثون ويكتب الكتّاب في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم فإنما يقدّمون للناس سيرته العطرة ويعرضون طرفاً من خلقه العالي العظيم، فلقد كان مولده صلى الله عليه وسلم علامة بارزة في سيرته الإنسانية ونقطة تحوّل في حياة البشرية وثورة فجّرت ينابيع التاريخ وغيّرت معالم الدنيا ووضعت قدم الإنسان على طريق الحق والخير وأخذت بيده إلى طريق الهدى والرشاد.
ولقد مضت قرون طويلة على تاريخه صلى الله عليه وسلم ولا يزال خلقه الكريم وأدبه العظيم قيمة لا يرقى إليها البشر، فلقد كان أصحابه صلى الله عليه وسلم أحسن صحبة منا وكانوا أكثر طاعة له وأشدّ التزاماً بهديه، فوجدوا الله يأمرهم بطاعته فاطاعوه وينهاهم عن التمرّد فلم يخرجوا عليه، سمعوا قوله تعالى {ومن يطع الرسول فقد أطاع الله} وقوله أيضاً {ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فاولئك هم الفائزون} وأيضاً {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} فهموا كل هذه التوجيهات وأيقنوا وعلموا ان الخير كل الخير في أن يعيشوا ويتعلقوا بنبيهم ويلتزموا بهداه.
انظروا كيف أحبّه أصحابه عليه الصلاة والسلام، دخل النبي صلى الله عليه وسلم على خادمه ثوبان ذات يوم فوجده مهموماً قلقاً قال له الحبيب «ما بك يا ثوبان؟» قال ثوبان «والله ما بي من سوء يا رسول الله غير أني لا أطيق فراقك وإذا غبت عني اشتقت إليك فتذكّرت الدار الآخرة وأنك تكون في أعلى عليين في الفردوس الأعلى وأنا واحد من الناس لا أصل إلى منزلتك فخشيت ألا أراك فهمّني ذلك، «فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يطمئنه ويقول له «يا ثوبان المرء مع من أحب» وأنزل الله قوله تعالى {ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} هذا الحب للّه ورسوله كانت له نتيجة واحدة وهي الالتزام الكامل بأمر الله والاقتداء الملتزم بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بما دعانا إليه القرآن وصدق الله العظيم إذ يقول {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم فرصة لإحياء هذه القيم والمبادئ، فعلينا أن نسأل أنفسنا أين نحن من هذا الدين..؟! أين نحن من قيم هذا الدين وآدابه؟!
لو ان المسلمين راجعوا أنفسهم وجدّدوا إيمانهم واعتنقوا هذه القيم الايمانية وطبّقوها في مجتمعهم وعادوا إلى الله لمكّنهم الله في الأرض ورزقهم وإننا في هذه الذكرى لا نجد مفراً من أن نقول للناس عودوا إلى دين الله وإلى الله قبل فوات الآوان وساهموا في أمن هذا البلد واستقراره ورخائه بالعودة إلى الله واعتناق هذه القيم والعيش في هُداها.