يلعب الإعلام دوراً كبيراً في تعزيز التنمية الاقتصادية سواء بتسليط الضوء على الإنجازات والتطورات والتغيرات الاقتصادية أو تحقيق إيرادات واستثمارات تعزز الاقتصاد الوطني. والحقيقة أن وسائل الإعلام لم تكن يوماً مجرد أدوات ترفيه أو وسائط لنشر الأخبار، بل هي صناعة اقتصادية بحد ذاتها تلعب دوراً حيوياً في توجيه الاقتصاد الوطني والعالمي، بما تملكه من أدوات تؤثر بشكل مباشر على صناع القرار والرأي العام والسياسات الاقتصادية من خلال عملها المتمثل في نقل المعلومات وتفسير وتغطية الأحداث الاقتصادية.
وتحتل الأنشطة الإعلامية مكانة مميزة في اقتصاد كل دولة، حيث يبرز هذا الدور من خلال فرص العمل وحجم رؤوس الأعمال والصناعات المتصلة بوسائل الإعلام العاملة في هذه الصناعة، إذ تعتبر هذه الصناعة واحدة من أكبر الصناعات في العالم، حيث تبلور صياغة الاقتصاد والسياسة وثقافة المجتمع ثم تعيد تصديرها إلى دول العالم الأخرى مرة ثانية، فالإعلام يعمل في الوقت الحاضر على الاستثمار في المعرفة في عالم يشهد في كل لحظة ثورة تكنولوجية في شتى المجالات.
وبالطبع لم يعد الهدف من الإعلام تقديم معلومات وتغطيات فقط بل تحول لصناعة تحتاج رؤوس أموال ضخمة، وهي صناعة بات لها دور كبير في دفع عجلة النمو، الأمر الذي أسهم في ظهور مصطلح اقتصاديات الإعلام، الذي يهتم بتلبية احتياجات الجمهور عبر تقديم خدمة جيدة تحقق عائداً مادياً مربحاً يدعم استمرار النشاط الإعلامي. ويمكن القول إن الإعلام هو ركيزة الاقتصاد والتنمية، يروج بفعالية وكفاءة للفرص الاقتصادية والاستثمارية، عبر الإعلام بشقيه الرقمي والتقليدي.
ولا شك في أن العلاقة بين الإعلام والاقتصاد وثيقة ومتشابكة لأن الإعلام يساعد في توجيه السياسات الاقتصادية، ينشر آراء الخبراء ويعرض تحليلاتهم ويفتح النقاش العام حول القرارات الجديدة، وهو ما يساعد صانع القرار على اتخاذ القرارات السليمة وفق التحليلات والبيانات المقدمة والتوقعات المصاحبة لها.
وتولي دولة الإمارات اهتماماً كبيراً بالاقتصاد الإبداعي والذي يعتبر الإعلام أحد أهم مموليه، حيث يعتبر من أسرع القطاعات الاقتصادية نمواً حول العالم، إذ يُسهم بنحو 6.1 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويحقق عائدات سنوية تزيد على 2 تريليون دولار، لذلك تعمل الدولة على استقطاب المبدعين والمستثمرين والموهوبين من أنحاء العالم.
ولدعم الاقتصاد الإبداعي، أطلقت الإمارات برامج ومبادرات متعددة من أبرزها الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية التي تعزز الشراكة بين الصناعات الثقافية والإبداعية والاقتصاد الوطني، بما يجعل من الإمارات حاضنة للمواهب والمبدعين على امتداد العالم.
ومن مظاهر الشراكة والتشابك بين الإعلام والاقتصاد أن البعض يرى أن وسائل الإعلام غالباً ما تكون موجهة لخدمة مصالح النخب الاقتصادية، ويبرز ذلك الأمر عالمياً مع سيطرة عدد قليل من الشركات الكبيرة على صناعة الإعلام، الأمر الذي قد يؤدي إلى قلة في تنوع الأصوات والرؤى المتاحة للجمهور، وخلق محتوى إعلامي يخدم أجندات الشركات التي تسعى لتحقيق الربح وتعزيز مصالحها.
ومن البديهي أن يجعل التمويل والإعلانات، المحتوى الإعلامي موجهاً بدرجة ما نحو مصالح المعلنين، ما يؤثر على حيادية الرسالة الإعلامية، ومن هنا تأتي محاولات الدول لتنظيم الإعلام ومنع الاحتكار عن طريق التشريعات والقوانين حتى لا يؤثر تركز الملكية الإعلامية على حق الرأي العام في المعرفة والشفافية في بث المحتوى الإعلامي.
وفي ظل الحاجة إلى التمويل والاستثمار تبرز الحاجة إلى أن تُطور وسائل الإعلام نماذج إيرادات مبتكرة، حيث من المتوقع أن تتشكل مجموعات إيرادات جديدة في الإعلانات والبث المباشر والأسواق الناشئة، خصوصاً بعد أن استعادت صناعة الترفيه والإعلام توازنها وارتفعت الإيرادات العالمية بنسبة 5 % إلى 2.8 تريليون دولار في 2023، وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة، من المتوقع أن تنمو هذه الصناعة بمعدل سنوي مركب بنسبة 3.9 %، وقد تتجاوز الإيرادات الإجمالية 3.4 تريليونات دولار، في عام 2028.
من جهة أخرى، وبعد ظهوره على الساحة، جلب الذكاء الاصطناعي آثاراً كبيرة – بما في ذلك الفرص والتحديات – للشركات في قطاعي الإعلام والترفيه، وهو ما فطنت إليه دولة الإمارات مبكراً، الأمر الذي دفعها إلى تكثيف الاستثمار في تطوير البنية التحتية التكنولوجية ودعم الابتكار في هذا المجال.
ويدخل الإعلان الذي شهده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عن إطلاق إطار للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية أثناء زيارة سموه الأخيرة لواشنطن، ضمن جهود الاستثمار في التكنولوجيات المتقدمة، حيث سيكون لهذا التعاون كبير الأثر على قطاع الإعلام الذي يمكنه الاستفادة من مخرجاته، الأمر الذي يعزز من قدراته على مواكبة التحولات الرقمية المتسارعة، ما يسهم في انتعاش اقتصاد الإعلام ويؤدي إلى زيادة تأثيره على المستويين الإقليمي والعالمي.
ورسمت توجيهات سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة، خارطة طريق عمل المنظومة الإعلامية في الإمارات، حيث أكد سموه ضرورة أن يواكب القطاع الإعلامي في الدولة أبرز التطورات التكنولوجية في العالم في مجال صناعة الإعلام وصياغة التأثير الإعلامي، وبفضل متابعة سموه الحثيثة حقق وسيُحقق قطاع الإعلام في الدولة قفزة نوعية في مجال استثمار التقنيات المتطورة من أجل ريادة الإعلام الإماراتي.
وعندما نتحدث عن التكنولوجيات المتقدمة ودورها في اقتصاد الإعلام، لا بد أن نتوقف عند جهود مهندس الذكاء الاصطناعي في الإمارات سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني، رئيس مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، حيث يعمل سموه على بناء مستقبل تقوم فيه التكنولوجيا بدور فاعل في خدمة الإنسانية وتعزيز مستوى الرفاهية والاستدامة والتواصل بين دول العالم.
ولا شك أن المبادرات والبرامج التي أطلقها سموه سيكون لها كبير الأثر على قطاع الإعلام، وعلى رأسها الشراكة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي بين «إم جي إكس» و«بلاك روك» و«جلوبال إنفراستركتشر بارتنرز» و«مايكروسوفت» للاستثمار في مراكز البيانات، والتي أعلن عنها سموه مؤخراً وتعتبر واحدة من المبادرات التي سيستفيد منها قطاع الإعلام، فالاستثمار في مراكز البيانات الضخمة يتيح للإعلام إمكانية الوصول لبنى تحتية تكنولوجية متقدمة توفر قدرات معالجة هائلة، هذه القدرات تساعد وسائل الإعلام على إنشاء محتوى بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
كما كان للبنية التحتية المتقدمة للاتصالات في دولة الإمارات تأثير كبير على اقتصاديات الإعلام، حيث كانت دولة الإمارات سباقة في الاستثمار في قطاع الاتصالات وهو الأمر الذي ظهرت نتائجه في احتلالها المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر جاهزية البنية التحتية للاتصالات في تقرير الأمم المتحدة 2024، حيث تتيح هذه البنية للجهات الإعلامية تبني أحدث التقنيات وترسيخ الابتكار كما أنها تسهم في جذب استثمارات أجنبية للقطاع.
وختاماً، أصبح الاقتصاد الإعلامي قوة دافعة أعادت تشكيل المشهد الإعلامي العالمي، حيث لم يعد مجرد تفاعل بين العرض والطلب، بل هو منظومة معقدة تتداخل فيها التكنولوجيا والسياسة والثقافة، وتحولات تكنولوجية سريعة في عصر الرقمنة، فرضت واقعاً جديداً، وأحدثت تحولاً جذرياً في هذه الصناعة. لكن يبقى التحدي في تقديم إعلام عصري متطور ومحتوى جاذب يخدم توجهات الدول وينعش اقتصادياتها، مع قدرته على التكيف مع التطورات التكنولوجية لتحقيق إيرادات تنافسية وتنمية مستدامة للمؤسسات الإعلامية