كثيرون من ولاة الأمور، في العالم العربي، أسهبوا في الحديث عن خطر الفئة الباغية من القاعدة وداعش وسواهما، لكن الذين أظهروا إيثارا وشجاعة وافتداء للأوطان بفلذات الأكباد، وبالغالي والنفيس؛ نادرون وربما لا تقع عليهم عين، بعد إقرار الفضل لقادة الإمارات، وفي طليعتهم الشيخ محمد بن زايد.
يصح هنا، أن تقرأ مأثرة قادة الإمارات بمنظار السياسة. فأولى الدلائل على حُسن المقاصد من إلقاء الإمارات بثقلها في معارك تطهير المشرق العربي من الشرور الإرهابية أن إجماعا عربيا وإسلاميا قد انعقد على ضرورة تخليص الأمة من هذا الخطر الذي يفتح بطون الأوطان لكل طامع، ويتهدد ليس أمن الدول وحسب، وإنما أمن المجتمعات ونواميس الحياة اليومية للبشر.
عندما نادى المنادي أن أنقذوا أيها العرب أوطانكم من هذا الشر المتفشي في الأرجاء، وما يمثله من محاولات تفكيك لوحدة الأوطان وأفاعيل تمزيق نسيجها الاجتماعي، كان أبناء زايد الخير، قادة الإمارات، في طليعة الذين لبوا النداء، إذ تقدموا بما استحوذوا عليه من القوة، لكي يؤدوا مهمة إنقاذ عربية وإسلامية عامة.
كان الذين أمروا بشد الرحال لتحاشي الخطر القادم من جهة اليمن قد دفعوا بجيوشهم إلى ساحات الوغى، مُقدّرة وقفتهم. فالجنود هم أبناء ولي الأمر، ولا جدال في أبوة ولي الأمر لجنوده، غير أن الزائد من أبناء وأحفاد زايد وآل نهيان، أن مثل هذه الأبوّة استزادت بأسطع براهينها، ألا وهو إرسال الأبناء فلذات الأكباد، لكي يقاتلوا، فتتعزز صدقية القول بأن الجنود أبناؤنا، والمعركة تتعلق بمصير أمة وإنقاذ أوطان.
كما النسور بأجنحتها الطويلة ذات العضلات فيما هي تعلو بقدرة إعجازية على الإبصار الحاد تساعدها على حُسن اختيار أهدافها؛ تسامى محمد بن زايد على الترهات، وحلّق بمقاصد تنزهت عن السياسات الرديئة حيال أوطان الأشقاء، سواء بمنطق الوصاية عليها، أو بشهوة التمكين لفريق أو حزب، حتى ولو كان الثمن تدمير بلاده.
لم يتردد الشيخ محمد بن زايد في دفع ابن أخيه وصهره زايد بن حمدان إلى المعركة مع إخوته الضباط والجنود، وكان في ذلك قدوة على إنعاش الروح المعنوية وتغذية الإحساس بواجب الدفاع عن شرف الأمة وسمعتها.
استحق قادة الإمارات كل الاحترام بمساواة فلذات أكبادهم مع شباب وطنهم عند أداء الواجب وفي مواجهة المخاطر. خاض الغمار زايد بن حمدان وأصيب، واستشهد آخرون من زملائه، وأصيب في النقع ذياب بن محمد بن زايد. وعلى هذا المنهاج انطلق من دبي، منصور، ابن حاكمها ورئيس وزراء الدولة، الشيخ محمد بن راشد. ومن رأس الخيمة، ينطلق أحمد القاسمي، ابن حاكمها الشيخ سعود، الذي أصيب عام 2015. وحضرت في ساحات الوغى كوكبة من أبناء آل نهيان الذين استجابوا لنداء الواجب، وكان حضور أبناء نهيان موصولا بعزيمة وجسارة أبناء زايد الخير وزايد المروءة.
لم تكن جزيرة العرب الشاسعة ستعرف استقرارا وحياة طبيعية، لو نجح التحالف بين فساد النظام البائد مع الاختراق الإيراني في اختطاف اليمن والاستحواذ عليه توطئة لاختراق آخر. فلو نجح في تحقيق هدفه، لن ينجو أحد، لذا فإن فزعة الشجعان مع أبنائهم الجنود والضباط، لم تكن دفاعا عن النفس، وليست دفاعا عن سلطة، ولا هي من باب المشاركة المفخخة، وإنما هي فزعة الخيّرين الذين أدركوا أن ما حباهم الله به من مقدرات ينبغي تسخيره للدفاع عن الأمة ودولها وشعوبها، ودحر القوى الباغية.
لعل مأثرة العطاء الراهن، تحاكي مآثر حياة الراحل الكبير، مع فارق أن تلك، كانت في وقتها عونا لتحسين جودة الحياة في بلدان الأشقاء، بينما المأثرة اليوم هي إنقاذ الحياة نفسها في بلدان الأشقاء.