نها نهاية العام، جميعنا منشغلات بوداعه، فمنّا من تفضّل المكوث في منزلها والاحتفال مع عائلتها، فيما تخطط كثيرات للسفر إلى مدن يشكّل وداع العام رحلة انتقالية بين سطور الزمن التي تكتبها احتفالات في ساحاتها العامة.
وفي المقابل، هناك من ترغب في وداع عامها بعيدًا من كل هذا الصخب، والتحليق نحو عالم عذري مغمور بالمياه ترمي فيها كل ما عكّر صفوها، تتأمل في الأزرق، تغطس في أعماقه، لتعود وتستريح على أرجوحة شبكية، تهدهد أحلامها التي تنوي تحقيقها في ما أتى من السنوات.
وفي أقصى الكرة الأرضية، خمس عشرة جزيرة تسبح في المحيط الهادئ الذي يحفظ في أعماقه أسرار التاريخ والجغرافيا، تروي صفحات مياهه قصص بحّارة عبروه، عاندوا أمواجه العتية أحيانًا، والهادئة أحيانًا أخرى، علّهم يكتشفون ما يستريح عند الأفق الأخير.
إنها جزر كوك التي اكتشفها البحّارة البريطاني القبطان جيمس كوك بين عامي 1773 و17777، تنتظرك لتبدئي عامك بين الأزرق والأخضر وما بينهما من ألوان اللؤلؤ، فتغوصين في عوالم جزر تبدو كأنها سقطت من السماء لترقّط الأزرق الكبير.
هنا في جزر كوك سوف تعودين إلى فطرتك الأولى، تجولين في عوالم الألوان والتاريخ البولينيزي المنقول شفويًا، سطوره روائع الطبيعة التي تخطف الأنفاس، وكأنك وسط بطاقة بريدية لم تتعرض لـ«فوتو شوب» يجمّلها، بل كل تفاصيلها لا تزال كما كانت سيرتها الأولى.
من بين الجزر الخمس عشرة، أربع جزر مأهولة تنتظرك لتبحري منها نحو عامك الجديد. ولكن ما رأيك في أن تحتفلي بالوداع مرتين! وتخوضي نقيضي الوقت، أي أول مدينة تحتفل بقدوم العام الجديد، وآخر واحدة تودع العام المنصرم.
كيف! من المعلوم أن نيوزلندا هي أول دولة في العالم تحتفل بانتهاء العام، فيما جزر كوك التابعة لسلطتها هي من بين آخر المناطق التي تسمع تكّات الساعة المعلنة لنهاية العام. لذا يمكنك أن تخوضي هذه المغامرة وتحتفلي في أوكلند أكبر مدينة في نيوزيلندا بليلة رأس السنة، فتعيشين صخب المدن ثم تحلّقين نحو جزر كوك وتدركين مفهوم الرجوع بالزمن إلى الوراء، وإن في مدينة أخرى! تخيلي أنك في طائرة تحط في مطار راروتونغا، في مدينة أفاروا، ويعني اسمها «اثنان من المرافئ» في شمال جزيرة راروتونغا، وهي العاصمة الوطنية لجزر كوك. تصلين إلى أفاروا ثم تنتقلين إلى رارتونغا.
راروتونغا
تعتبر راروتونغا الأكثر اكتظاظًا بالسكان من بين جزر كوك، ولا عجب في ذلك فجمالها الطبيعي درامي، لدرجة تظنين أنك تجولين في عالم افتراضي تفاصليه لا يمكن أحدًا تقليدها مهما بلغت عبقرية مخيلته.
تطغى على الجزيرة هالة من اللهب البرتقالي الذي يطوّقها بالشعاب المرجانية، فيما بحيرة راروتونغا الياقوت الأزرق مرصّعة بالشواطئ اللؤلؤية، تنافسها في جمالها الشعاب المرجانية، حيث تتكسر رغوة الزبد وتتحطم مثل الرعد البعيد. وعندما تتوغلين في يابسة هذه الجزيرة، سوف تجدين نفسك وسط سهول خضراء وريف وجبال يتدحرج فيها الأخضر بلا هوادة وغابات مطرية، وقمم صامتة تهيمن على ناظريك من كل الزوايا فتشعرين برهبة الطبيعة الفطرية.
ولراروتونغا الكثير من التاريخ، أيضاً، والآثار التي تنتظر استكشافها، وبعض الكنائس المرجانية الأفضل حفظًا في جنوب المحيط الهادئ.
كل هذا الجمال يدعوك إلى التعرّف إليه بطريقة السكان المحليين، وما عليك سوى استئجار سكوتر والانطلاق لاستكشاف الجزيرة.
ومن اليابسة إلى الماء، تنتظرك البحيرة لممارسة هواية الغطس أو التجديف وقوفًا فتخالين نفسك تمشين على مياه فيروزية بلورية ترين تحت قدميك كل ما في عمقها، الأسماك والشعاب المرجانية، ثم تتمددين على لوح المجداف لتتشمسي… إنها لحظات رائعة تخدّر الحواس وسط الأزرق لا تسمعين فيها سوى همسات الماء.
عرض Nui Te Vara المسائي
بأسلوب هوليوودي من حيث العرض والأداء، فإن «نوي تي فارا» مزيج من الثقافة والترفيه. يحكي هذا العرض أسطورة Tongaiti محارب رحّالة جاء الى راروتونغا وصنع السلام مع الشعب الأصلي بمساعدة ابنته الجميلة.
تتعرّفين إلى التاريخ بألوان زاهية، وموسيقى حية وعروض رقص رائعة. يرافق هذا العرض الرائع بوفيه للأطباق المحلية، فضلاً عن دعوة الجمهور للمشاركة فيه.
آيتوتاكي
هي ثاني جزر كوك الأكثر استقطابًا للسيّاح، وإحدى جواهرها التي تزنّر إحدى أجمل بحيرات جنوب المحيط الهادئ، والتي أتى مظهرها على شكل صنّارة صيد الأسماك. قد تحارين أين تبدئين في هذه الجزيرة، المياه البلورية والزبد المتكسر حول محيط الشعاب المرجانية، والشواطئ الرملية للعديد من الجزر الصغيرة المهجورة. المشاهد رائعة… من الهواء أو على الماء، من المؤكد أن آيتوتاكي سوف تغمرك بمشاهد تخطف الأنفاس تحملينها معك إلى العام الذي تستقبلينه.
تبعد 455 دقيقة من طريق الجو من راروتونغا، ولكن عندما تصلين إليها تشعرين كأنك أبحرت إلى عالم آخر. على الرغم من أنها تضم الكثير من المنتجعات الفاخرة، فإن آيتوتاكي أقل زحمة، ويبدو أن إيقاع الزمن فيها بطيء يسير وفق مزاجها.
الكثير من السيّاح يفضلون المكوث فيها أيامًا عدة للاسترخاء والاستفادة من بطء إيقاعها الزمني… من منا لا تحتاج إلى ذلك! تقع في غرب الجزيرة مدينة أراتونغا الرئيسة حيث تقع معظم الفنادق والمنتجعات، أما على الساحل الشرقي فتتجمع قرى الصيادين الصغيرة: توتو Tautu، فايباي Vaipae وفايبيكا Vaipeka.
الإبحار في قارب تي فاكا
حتى وإن كانت السماء ملبّدة بالغيوم، وإن تساقط بعض رذاذ المطر، فإن رحلة تي فاكا البحرية لا تتوقف وهي الأشهر في جزر كوك.
سوف تبحرين مع طاقم بحّارة لطيف ومضحك يتبادل معرفته التاريخية، والثقافية، والجغرافية مع الضيوف، لتجدي نفسك وسط أجواء من الفرح والموسيقى والجمال.
تبحرين على متن قارب تقليدي التصميم طوله 21.6 مترًا، المحطة الأولى هي Akaiamii الجزيرة، حيث تتعرّفين إلى طريق المرجان، ثم المحطة التالية هي Moturakau، الجزيرة التي صُوّر فيها أحد مواسم برنامج الواقع «سرفايفور» Survivor، وكذلك كانت الاستوديو الطبيعي لفيلمي Shipwrecked و Treasure Island. ولا تكتمل الرحلة من دون التوقف لتناول البوفيه التقليدي والغطس في المياه البلورية.
الدراجة أو المشي حتى جبل Maugapu
إذا اكتفيت من كسل الاسترخاء على الشاطئ اللؤلؤي، وشرب الكوكتيل، وترغبين في بعض التمارين الرياضية تبدئين فيها عامك الجديد في الهواء الطلق، توجّهي إلى قمة جبل Maugapu في آيتوتاكي حيث المشاهد البانورامية لجزر كوك تخطف الأنفاس. فهذه القمة هي أعلى نقطة في آيتوتاكي، يبلغ ارتفاعها 124 مترًا.
الوصول إلى القمة ليس صعبًا، سواء سيرًا على القدمين أو عبر دراجة هوائية جبلية.
مانغايا
بالقرب من راروتونغا، تستريح جزيرة مانغايا ثاني أكبر جزر كوك والأكثر دراماتيكيًا في جغرافيتها وطبيعتها. فالطبقات البرجية الشاهقة والسوداء التي تزنر طبقات القمة البركانية كالديرا التي يبلغ ارتفاعها 169 مترًا، والشعاب المرجانية التي تمتد عند أقدامها تبدو من بعيد العمود الفقري المركزي للجزيرة، يدخلك في جمال مهيب يصعب أن تخرجي ذاكرتك من سحره، فالجروف المتحدّرة والمعشوشبة بشكل عشوائي فريد تمهد الطريق إلى الكهوف الجيرية التي كانت في الماضي ملاجئ القبائل ومقابرهم المقدسة خلال الحروب… هنا البحيرات في وسط الجزيرة، والمنحدرات المثيرة والعديد من نقاط مراقبة مذهلة.
ميتياروا
إذا كانت جزيرتا راروتونغا وآيتوتاكي تجذبان السياح لما تضمانه من وسائل ترفيه، فضلاً عن جمالهما الطبيعي، فإن جزيرة ميتياروا تحتفظ بهويتها لتدخلك في عالمها الأصيل الذي لم يتخلّ عن تفاصيل يومياته.
هنا يعيش الناس بالطريقة نفسها التي اتبعها أجدادهم منذ مئات السنين باستثناء الكهرباء والدراجات البخارية. قد لا تكون الجزيرة قد صُنّفت ضمن الجزر التي ينبغي زيارتها جنوب المحيط الهادئ، فشواطئها صغيرة نظرًا إلى أنها لا تزال محافظة على طبيعتها الدغلية ومن دون أي تدخل للإنسان المعاصر، ومع ذلك فهي جزيرة مثيرة للاهتمام يقصدها الكثيرون لخوض تجربة نمط الحياة البولينيزي التقليدي.
تضم ميتياروا العديد من الكهوف العميقة والغامضة، من بينها حوضان جوفيان رائعان، نوري Nauri ومارير Marere. كما تضم بقايا حصن هو الوحيد في جزر كوك.
سكان الجزيرة حرفيون بارعون، سوف تكتشفين النسيج، وصناعة الخشب والزوارق التقليدية المصنوعة بشكل جميل. إذا قررت الإقامة فيها يومًا واحدًا، فلديك خيار، إما اسئتجار غرفة في منزل خاص محلي، أو الأكواخ الثلاثة الوحيدة في الجزيرة. إنها تجربة رائعة، إذا كنت جريئة فلا تفوّتيها.
الغطس ثم الغطس
لا تتركي جزر كوك من دون أن تخوضي مغامرة الغطس السنوركلينغ. فهنا المياه الهادئة والواضحة تجعل من السهل رؤية الأسماك الملونة الزاهية، والمجموعات المرجانية المختلفة، وإذا كنت محظوظة بعض المحار العملاق. بقعة الغطس المشهورة جدًا هي قُبالة شاطئ Tikioki، في راروتونغا، موقع يجدر بك الغطس في مياهه إذا كنت تريدين الغطس وحدك من دون المشاركة ضمن برنامج رحلة.
التسوّق في أفاروا
في أفاروا لا تفوّتي سوق بونانغا نوي Punanga Nuii الملونة، من المؤكد أنك ستحصلين على صفقة تسوّق رائعة مع بداية السنة، بينما تتنقلين بين الأكشاك وتساومين على سعر الحلى اليدوية والهدايا التذكارية والملابس، وتتذوّقين الفواكه والمأكولات المحلية. فهذا السوق مشحون بالألوان والنكهات.
إعداد : ديانا حدّارة