ما الذي تنوي إسرائيل أن تفعله في لبنان بعد توغلها البري الذي بدأ فجر الثلاثاء الماضي؟
التوقع الأساسي أن النجاح المذهل للعمليات النوعية التي نفذتها إسرائيل في الأيام الماضية سوف يغريها بالمزيد من تنفيذ الأهداف النوعية خصوصاً بعد ذروة النجاح في عملية الجمعة 27 سبتمبر باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله ومعه مجموعة من قادة الحزب الكبار بقصف وتدمير مقر الحزب المركزي في حارة حريك بالضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت الحاضنة الأساسية للحزب وأنصاره.
نتذكر أن كل ما كانت ترفعه إسرائيل من أهداف هو إجبار حزب الله على وقف إطلاق الصواريخ تجاه المدن والقرى الإسرائيلية، وبالتالي إعادة الذين تم تهجيرهم من هذه المناطق منذ 8 أكتوبر الماضي، حينما قرر «حزب الله» دخول الحرب لإسناد «حماس» في قطاع غزة الذي يتعرض لهجوم إسرائيلي شرس منذ 7 أكتوبر الماضي عقب عملية «طوفان الأقصى».
الآن اختلف الأمر وصرنا بعد اغتيال عدد من قادة الحزب نسمع العديد من قادة الجيش الإسرائيلي وعدد من مستويات سياسية مختلفة يطالبون بضرورة أن تقود العملية البرية الراهنة إلى تجريد «حزب الله» من سلاحه تماماً وليس فقط انسحابه من مسافة 30 كيلومتراً خلف نهر الليطاني تنفيذاً للقرار الأممي رقم 1701.
إسرائيل نفذت التوغل أو الغزو البري، رغم كل ما يقال عن محاولات أمريكية محمومة لمنع إسرائيل من ذلك.
وبطبيعة الحال فواشنطن ليست جادة في معارضة هذه الخطوة خصوصاً أن كل ما عارضته من خطوات إسرائيلية كان لفظياً طوال العام الماضي، عادت وقبلته بل وأيدته لاحقاً، بل إنها احتفت باغتيال «نصر الله»، وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن اغتياله يريح الضحايا الذين سقطوا بسببه.
ثم إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يعتقد أن الضربات النوعية الموجعة التي تم توجيهها لـ«حزب الله» في الفترة الأخيرة، هي فرصة نادرة قد لا تتكرر كثيراً لتوجيه المزيد من الضربات النوعية للحزب، بحيث يتم شل قدراته وإمكانياته لفترة طويلة مقبلة.
ومن مراقبة ومتابعة سلوك نتنياهو منذ 7 أكتوبر الماضي، فالمؤكد أنه لن يضيع فرصة سانحة لإلحاق أكبر قدر من الخسائر بـ«حزب الله» وقدراته ونفوذه.
الهدف المعلن لإسرائيل هو عودة المهجرين إلى بيوتهم ومستوطناتهم في الشمال، لكن ماذا لو وجد نتنياهو فرصة ثمينة ومعه كبار شركائه في الائتلاف المتطرف الذي سيزيد تطرفاً بعد انضمام جدعون ساعر للحكومة مساء الأحد الماضي؟!..
الإجابة هي أن نتنياهو لن يضيع هذه الفرصة وبعد أن دخل جنوب لبنان سيسعى إلى فرض المزيد من الضغوط على «حزب الله» وصولاً إلى إلغاء وجوده في المشهد السياسي اللبناني إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً.
لكن السؤال الجوهري هو: هل دخول الجيش الإسرائيلي إلى لبنان يعني أنه حقق كل أهدافه؟!
وللتذكرة العملية فإن إسرائيل اجتاحت لبنان عام 1978 ثم في 5 يونيو 1982 وأجبرت منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة بيروت، وأقامت شريطاً حدودياً في الجنوب بقيادة سعد حداد ثم انطوان لحد، لكن «حزب الله» نفذ عمليات لسنوات طويلة أجبرت إسرائيل على الانسحاب المهين عام 2000.
الآن قد يتكرر نفس السيناريو فنتنياهو المنتشي بالعمليات النوعية الأخيرة خصوصاً اغتيال «نصر الله»، قد يدخل الجنوب لإجبار الحزب على وقف إطلاق الصواريخ أولاً عبر تدمير أكبر قدر منها، وبالتالي إعادة المهجرين لبيوتهم في الشمال والحصول على فترة راحة طويلة من «الصداع» الذي سببه الحزب لإسرائيل منذ تأسيسه عام 1982 وحتى الآن.
لو وجد نتنياهو وجيشه الطريق مفتوحاً، فقد يفكر في الوصول إلى حدود نهر الليطاني، وبالتالي تطبيق القرار 1701 بقوة النيران، والقضاء على أكبر قدر من قدرات «حزب الله» وبنيته العسكرية، بل وإعادة رسم الخريطة السياسية في لبنان، بتقليص دور الحزب وهيمنته على القرار السياسي، بل وربما انتخاب رئيس يعبر عن غالبية اللبنانيين، وليس فقط يرضى عنه «حزب الله».
لكن من تجربة الصراع بين الطرفين طوال العقود الماضية، فإن الغزو والتوغل البري والقصف الجوي العنيف والتدمير الممنهج للبنية التحتية وقتل المدنيين، لم يوفر لإسرائيل الأمن والأمان.
هي فعلت كل ما سبق منذ عام 1948 واغتالت العديد من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المختلفة، كما اغتالت الأمين العام لحزب الله عباس الموسوي عام 1992 والعديد من قادة الحزب ومنهم عماد مغنية في دمشق، فماذا كانت النتيجة؟!
أعاد الجميع تنظيم وبناء نفسه من جديد
النتيجة الأساسية التي لا تريد إسرائيل أن تفهمها هي أن الذي سيوفر لها الأمن والأمان في المنطقة ليس القوة الغاشمة بل سلام عادل، يقوم على الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية