واضح جداً أن هذه السنة هي سنة الأسرة في الإمارات، وإذا شئنا الدقة أكثر قلنا: إنها سنة الأسرة في الدولة بامتياز.
والموضوع لا يحتاج رغم أهميته إلى مقدمات، بل إنه لأهميته يدعونا إلى الدخول فيه مباشرة وبغير تمهيد، فالبداية كانت في الشهر الماضي، عندما قرر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، استحداث وزارة للأسرة في الحكومة، وتغيير اسم وزارة تنمية المجتمع إلى وزارة تمكين المجتمع.
والذين طالعوا هذا القرار في حينه عرفوا من تفاصيله المنشورة أنه جاء استكمالاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بأن تكون الأسرة أولوية في العمل طوال الوقت، لا لشيء، إلا لأنها ضمانة للمستقبل.
وعندما حلّ الرابع من هذا الشهر كانت الأسرة في الإمارات على موعد مع دفعة قوية أخرى تضعها، حيث يجب أن توضع في المجتمع، وكان ذلك حين قرر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، تخصيص هذا اليوم الذي يوافق ذكرى توليه المسؤولية، لتكريم قرينة دربه سمو الشيخة هند بنت مكتوم بن جمعة آل مكتوم، ولم يخصص اليوم لتكريمها وفقط، ولا للاعتراف بدورها المحوري في حياته، وفي أسرته، وفي الإمارات وحسب، وإنما أطلق عليها «أم الشيوخ».
وكانت لفتة أثارت الانتباه في الدولة، بمثل ما أثارت الاهتمام في خارجها، وكانت في المقابل خطوة أخرى على طريق الاحتفاء بالأسرة في المجتمع، ثم على طريق الاحتفال بالمرأة في صورة سمو الشيخة هند باعتبارها رفيقة درب لصاحب السمو، وسنداً وظهراً، وبوصفها أيضاً داعمة في كل الأحوال والأوقات.
وما كادت ساعات قليلة تمر حتى كانت سمو الشيخة هند قد أطلقت مبادرة عنوانها: «برنامج الشيخة هند للأسرة».
المبادرة كما نفهم مما هو منشور عنها ستكون على مراحل عدة، وما جرى إطلاقه منها هو مرحلتها الأولى ذات البنود التسعة، ومنذ سمع بها الناس وهي حديث الإعلام، لأنها قائمة على أساس، ومستندة إلى فلسفة، ولأنها تنهض على أرضية أسرية خالصة. فلسفة تدرك أن ترسيخ قيم الأسرة وتقاليدها يقود بالضرورة إلى حيوية المجتمع، وعافيته، وقدرته على أن يمتلك مناعة تحميه إزاء كل التحديات، التي يجدها في سبيله بين المجتمعات.
لا يمكنك وأنت تتابع هذا المشهد الأسري على بعضه إلا أن تضع قرار استحداث الوزارة الجديدة، مع قرار تغيير اسم الوزارة القديمة، مع قرار تكريم «أم الشيوخ»، مع مبادرتها الطموحة، في إطار واحد جامع، يضمها في سياق مكتمل.
إطار يقول إن دولة الإمارات وهي تستحضر آخر ما أنتجته التكنولوجيا على أرضها لمواطنيها ووافديها، لا تنسى أن تكنولوجيا العصر مهما بلغت من تطور لا تُغني عن بيت دافئ، ولا عن أسرة متماسكة، ولا عن امرأة تهيئ الأسرة والبيت معاً، للتعامل مع عصر، يهجر في الكثير من جوانبه قيم الأسرة، ومبادئ الأسرة، ومعنى الأسرة.
إطار يقول إن الأسرة بالمعنى العربي المسلم، الذي نشأنا عليه، لا غنى عنها للإنسان حتى ولو وصل هذا الإنسان إلى سطح القمر، وحتى ولو راح يتحسس طريقه إلى المريخ، فالأسرة هي قاعدة انطلاق في حياة كل فرد، ولا فرق بينها وبين قاعدة إطلاق الصاروخ إلى هدفه أو إلى مداره، ولا يمكننا أن نتصور صاروخاً ينطلق إلى المدار المرسوم له حول الأرض أو حول أي كوكب، ما لم يكن قد انطلق من قاعدة مستقرة أو من منصة ذات أركان.
إطار يقول إن تفكك الأسرة أو تحللها بداية إلى كل ما هو ليس خيراً في أي بلد، وإن تماسكها مسار إلى كل ما يعزز مكانة المجتمع بين سائر المجتمعات، ثم إلى كل ما يرفع البلد بين بقية البلاد في أنحاء المعمورة.
بالمبادرة التي جرى إطلاقها أرادت سمو الشيخة هند أن تقول إن التكريم الذي جاءها في الرابع من هذا الشهر سوف يكون له مردوده في المقابل على الأسرة في الإمارات طول السنة، وإنها تحب أن تقابل التكريم على مستواها بتكريم على نطاق أوسع لكل أسرة على مستوى الدولة كلها.