توفيت صاحبة الصوت الملائكي آمال الأطرش الشهيرة باسم أسمهان في الرابع من يوليو 1944 غرقاً في ترعة ماء على طريق الإسكندرية ــ القاهرة، أثناء عودتها من إجازة في مصيف رأس البر برفقة مديرة أعمالها ماري قلادة، ومذاك هي جرح نازف في تاريخ الغناء العربي على حد قول الكاتب والناقد اللبناني جهاد فاضل.
لقد كان رحيلها المأساوي وهي في عز شبابها (32 عاماً) وأوج مجدها الغنائي، سبباً في تداول حكايتها وبناء الأساطير حولها، ولا سيما أنها شدت بما يمكن وصفه بأجمل ما تم غناؤه على مدار القرن العشرين.
ويكفي للمرء أن يستمع إليها وهي تشدو بصوتها الساحر إحدى أغانيها السبع والثلاثين، وخصوصاً «ليت للبراق عينا» (كلمات الشاعرة الجاهلية ليلى العفيفة وألحان محمد القصبجي)، و«أنا اللي أستاهل» (كلمات بيرم التونسي وألحان القصبجي)، و«إسقنيها بأبي أنت وأمي» (كلمات بشارة الخوري وألحان القصبجي)، و«فرق ما بينا الزمان» (كلمات علي شكري وألحان القصبجي)، و«نويت أداري آلامي» (كلمات يوسف بدروس وألحان شقيقها فريد الأطرش)، و«بدع الورد» (كلمات حلمي الحكيم وألحان فريد الأطرش)، و«أهوى» (كلمات مأمون الشناوي وألحان فريد الأطرش)، و«ليالي الأنس في فيينا» (كلمات أحمد رامي وألحان فريد الأطرش)، و«أمتى حتعرف أمتى» (كلمات مأمون الشناوي وألحان القصبجي).
أما أغنيتها «يا طيور» (كتب كلماتها يوسف بدروس ولحنها محمد القصبجي على أنغام الفالس متأثراً بالموسيقار النمساوي يوهان شتراوس) والتي غنتها عام 1939 فهي تحفة فنية مستقلة خالدة تجلت فيها عبقرية اللحن والنظم والأداء والصوت. ورغم محاولة الكثيرين تقليدها في أداء هذه الرائعة الأوبرالية فإنهم فشلوا.
البيان
يقول جهاد فاضل في سياق الحديث عن أغنية «يا طيور»: «لم يتمكن أحد من الملحنين والمطربين العرب حتى الآن من الاهتداء إلى معادلتها العبقرية بين أساليب الغناء الأوبرالي وأساليب الغناء الكلاسيكي العربي المرتبط بمخارج الحروف في الكلمة العربية المغايرة لطبيعة الأوبرا الإيطالية واللغة الإيطالية». ويضيف قائلاً: «لم ينتبه أحد إلى اليوم إلى أن أكبر أسرار هذه المعادلة، هو أن محمد القصبجي، ملحن الأغنية، لم ينطلق من فراغ أو من عقدة نقص، بل من امتلاك متمكن لأساليب الغناء العربي التقليدي المستند إلى جذور الإنشاد الديني».
يضع البعض أسمهان في مرتبة القديسات، بينما يضعها البعض الآخر في مرتبة الفنانة الموغلة في الخطيئة، لكن الحقيقة هي، كما وصفها الموسيقار محمد عبدالوهاب في أحد تعليقاته بقوله إنها صوت أرستقراطي لم تستمع القاهرة في تاريخها الطويل إلى مثيله.
وربما لهذا السبب كثرت الشائعات المغرضة حول ملابسات حادث وفاتها. ونخالة القول إن أسمهان وحدها بين الكبار هي من تحسر الكثيرون على رحيلها المبكر، قائلين لو قيض الله لها عمراً أطول لكانت صنعت لنفسها مكانة تضاهي مكانة أم كلثوم أو تتجاوزها بمسافات.
ومن هؤلاء من بادر إلى الانتحار بعد سماع خبر موتها الصاعق غرقاً في الماء، مثل ذلك الشاب العراقي الذي ألقى بنفسه في مياه نهر دجلة فمات، وتلك الفتاة اللبنانية التي ألقت بنفسها من أعلى صخرة الروشة في مياه بيروت فماتت، علاوة على ذلك الشاب الدمشقي الذي حاول الانتحار بتناول كمية كبيرة من الدواء لكن تم إنقاذه فعاش بقية عمره لا يفارق صوتها.