لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلم الأسمى والمحاور الأرقى والمجادل الأوفى، وهو في ذلك مستجيب لأمر ربه سبحانه في قوله تعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» النحل 125.
تلك هي أداة الدعوة إلى الله: حكمة بالغة وموعظة حسنة وجدال هادئ ونقاش رقيق، وهو منهج ينبغي أن نطبقه على أنفسنا نحن المسلمين حين تختلف وجهات نظرنا في قضية أو تتباين آراؤنا في مسألة حتى تظل القلوب صافية والنفوس نقية والجموع متآخية، فإذا كان الحوار مع أهل الكتاب – وهو ما يجري في أيامنا هذه – فإن الله يأمر رسوله ومن ثم يأمرنا، أن نكون لطفاء في مجادلتهم وواسعي الصدر في الاستماع إليهم, والحديث معهم, استجابة لأمر الله تعالى «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن, إلا الذين ظلموا منهم» العنكبوت 46
لقد فعل هذا الأسلوب في الحوار فعله العظيم مع كثير من أحبار أهل الكتاب أي علماء أهل الكتاب. يقول الصحابي عبدالله بن سلام (كان من يهود المدينة وأسلم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إليها) ان الله عز وجل لما أراد هدي زيد بن سعنة قال زيد: من علامات النبوة أن حلمه يسبق غضبه، فتعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم فعند السداد كان رسول الله في جنازة بالبقيع ومعه أبو بكر وعمر ونفر من الصحابة رضوان الله عليهم، قال زيد فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على الجنازة دنوت منه وقلت له انكم بني عبدالمطلب لمطل، وجذبته جذبة أثرت في عنقه, فقام ابن الخطاب ليضرب عنقي، فقال الرسول صلى الله عيه وسلم لعمر: اذهب معه واقضه حقه وزده عشرين صاعا، فذهب عمر وقضاه حقه وزيادة، فقلت: يا عمر هل تعرفني؟ قال: لا، قال انا زيد بن سعنة، قال: الحبر؟ قلت: الحبر. قال: فما دعاك أن تفعل ما فعلت؟ قال: لأرى فيه ما كنت سمعت عنه في كتابنا أن حلمه يسبق غضبه وقد حدث. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطق بالشهادتين ووهب شطر ماله للمسلمين من أمة محمد صلى الله لعيه وسلم.