نعم الله من زهد في الدنيا لهثت وراءه، فالله سبحانه وتعالى يُعطي من يشاء ويأخذ ممّن يشاء، وكلما شعر الإنسان أن حظّه من الدنيا قليل فإنّ عليه أن يَذكر نعمة الله عليه ويشكر فضله، فالحكمة والعدل فيما قدّر الله، وإنّ الرزق كلّه بيد الله سبحانه وتعالى يُعطي لحكمةٍ ويمنع لحكمة، والرزق أشكال، فمنها: الصحة، والمال، والولد، ومنها الزوج الصالح أو الزوجة الصالحة، ومنها الصّحبة الطيبة؛ فعلى الإنسان أن يتأمّل جيّداً في جنبات حياته ليرى هذه النعم تَعمّه من دفع للبلاء، أو أمن من الخوف؛ فالنعم كثيرة فمَن حرم إحداها حَظي بغيرها، وخَيرنا من يَسعى ويَرضى، والناظر والمُتأمّل في كتاب الله عزَّ وجلّ يَجده بذاته نعمةً بل أكبر نعمة أعطيت للبشر عامّةً وللمسلمين والعرب خاصة.
هل توجد آيات أو سور لجلب الحظ في القرآن لم يَعترف القرآن الكريم ولا السنّة النبويّة المطهّرة ولا الشرع الإسلامي – بالنتيجة – بما يُسمّى جلب الحظ، فإنّ المسلم يجب أن يكون على ثقة بخالقه، يُدرك أنّ ما يُصيبه بأمره جلَّ وعلا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: (عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابته سراءُ شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيرًا له)،[١] فلا ينبغي ولا يصح للمؤمن أن يسعى خلفَ تُرهات الحظ ويشغل باله بجلبه، لأنّه يَعلم يقيناً بأنّ الله جل وعلا قدر ما كان وما سيكون، فلن يُصيبه شيءٌ إلا بأمر الله، ولن يضرّه شيءٌ إلا بأمر الله. يروي عبدا لله بن عباس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظه ذات يَومٍ وهما في سفرٍ فقال: (يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ)،[٢] ومع كل ذلك فإنّ في كِتاب الله آياتٍ وسور يجوز للمسلم أن يستبشر بها لورود أفضليّتها واستحباب قراءتها وطلب الرزق والخير فيها، ولا يُقال إنّها لطلب الحظ، إنّما لطلب فضلها المشروع. سور من القرآن الكريم سورة الفاتحة كنزٌ لمن أدرك قيمتها سورة الفاتحة من أعظم ما نزل من القرآن الكريم؛ حيث جاء في فضلها ما رواه الصحابي أَبو سَعِيدِ بْنِ المعلَّى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنْتُ أُصَلِّي فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ حَتَّى صلّيت، قال: فأتيته، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}؟ ثُمَّ قَالَ: لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لأعلمنَّك أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: نَعَمْ {الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ).[٣] في الحديث القدسي الذي يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه إذ يقول الله عز وجل: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: نصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد {الحمد لله رب العالمين} قال الله: حَمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين} قال الله: مجدني عبدي أو قال: فوض إلي عبدي، وإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال: فهذه الآية بيني وبين عبدي نِصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل)،[٤] ومن أهم فضائل سورة الفاتحة وأسرارها العظيمة أنّها شفاءٌ من كل داءٍ ومرض وبلاء، وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه قال: إنها شفاءٌ من كل سقم. وقيل: إنّ موضع الرُّقية فيها قوله تعالى (إياك نستعين).[٥] سورة البقرة تقي من الشياطين تُقرأ سورة البَقرة في كلّ بيتٍ فلا تقربه الشياطين كما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم،[٦] فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة)،[٧] وذلك من أعظم فضائلها، وكذلك فهي بَركةٌ في البيت الذي يقرأها أصحابه فيه لقول المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة).[٨] آل عمران تُخاصم عن قارئها يوم القيامة من أهمّ وأظهر فَضائل سورة آل عمران ما يروي أبو أمامة الباهلي حيث قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما).[٨] سورة الإسراء فيها آيةٌ خيرٌ من ألف آية ورد في فضل سورة الإسراء أنّ فيها آية خيرٌ من ألف آية، وذلك لما روى العرباض بن سارية: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ لا يَنامُ حتَّى يقرأَ المسبِّحاتِ، ويقولُ: فيها آيةٌ خيرٌ من ألفِ آيةٍ)،[٩] والمسبحات هُنّ السور التي افتتحت بقوله تعالى: سَبَّحَ، أو يُسبِّحُ، وسورة الإسراء منهن. حفظ عشر آياتٍ من سورة الكهف يعصم من الدجال جاء في فضل سورة الكهف أنّ من حفظ عشر آياتٍ من أولها عُصِم من فتنة المسيح الدجال، وأنّ من قرأها يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين الجمعتين،[٦] فعن أبي الدرداء أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آياتٍ من أول سورة الكهف عُصم من الدجال)،[١٠] كما روى أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين).[١١] سـورة يس قلب القرآن فضائل سورة يس كثيرة جداً؛ فَهي تَمتاز بإثبات يوم الحشر؛ لذلك سُمّيت بقلب القرآن، وقد رُوي أنّه – صلى الله عليه وسلم – قال: (قلبُ القرآنِ يس، لا يقرؤُها رجلٌ يريدُ اللهَ والدَّارَ الآخرةَ إلَّا غفر اللهُ له اقرؤُوها على موتاكم).[١٢] آخر ثلاث آيات من سورة الحشر روى الترمذي في سُننه من حديث معقل بن يسار أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (من قال حين يصبح ثلاثَ مراتٍ أعوذُ بالله السميعِ العليمِ من الشيطانِ الرجيمِ، وقرأ ثلاثَ آياتٍ من آخرِ سورةِ الحشرِ، وكَّل اللهُ به سبعين ألفَ ملَكٍ يصلُّون عليه حتى يُمسي، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدًا، ومن قالها حين يُمسي كان بتلك المنزلةِ).[١٣] سورة الواقعة تقي من الفقر سورة الواقعة سُمّيت بسورة الغنى فهي تقي من الفقر، وقد رُوي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (من قرأ سورةَ الواقعةَ كلَّ ليلةٍ لم تُصِبهُ فاقةٌ أبدًا وقد أمرتُ بناتي أن يقرأْنها كلَّ ليلةٍ)،[١٤] فقراءة سورة الواقعة تفتح أبواب الرزق كما مرّ في الحديث؛ وإن من قرأها لم يفتقر. سورة تبارك تُنجي صاحبها من عذاب القبر جاء في فضل سورة البقرة أنّها تشفع لأصحابها حتى يُغفر لهم، وأنّها تُنجيهم من عذاب القبر؛ فقد روى عبد الله بن عباس – رضي الله عنه – قال: (سورة تبارك هي المانعة هي المنجية من عذاب القبر)،[١٥] وعن أَبي هريرة – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (مِنَ القُرْآنِ سُورَةٌ ثَلاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ: “تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ”).[١٦] ردَّ بعضُ العُلماء فضل سورة تبارك إلى أنّها افتُتِحت بعظائم عظمة الله سبحانه وتعالى، ثم بباهِرِ قدرته عزَّ شأنه، وإتقانِ صنعته في أرضه وسمائه، ثمّ بذمِّ من نازعه في ذلك أو ادّعى مشاركته فيه، أو أعرض عنه، ثم بذكرِ عقابهم، وما من به عليهم من النِّعم.[١٧] سورة الكافرون براءةٌ من الشرك ذُكر من فضائل سورة الكافرون أنّها براءة من الشرك لمن قرأها؛ حيث رُوي أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ لِنوفل: (اقرَأ قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ ثمَّ نَم على خاتِمتِها، فإنَّها براءةٌ مِنَ الشِّركِ)،[١٨] ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (قل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن).[١٩] سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن روي في فضل سورة الإخلاص قوله صلى الله عليه وسلم: (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن)،[١٩] كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ حتى يختمَها عشرَ مراتٍ بنى اللهُ له قصراً في الجنَّةِ ومن قرأها عشرين مرةً بني له قصرانِ ومن قرأها ثلاثينَ مرَّةً بُنِيَ له ثلاثٌ).[٢٠] من أهمِّ فضائل سورة الإخلاص أنّها اشتملت على تَوحيد الاعتقاد والمعرفة وما يجب إثباته لله من الوحدانيّة المُنافية للشريك، وأنها تثبت لله تعالى جميع صفات الكمال ونفي الوالد والولد، ونفي الكفء المتضمّن نفي المشابه والمُماثل والنَّظير ولذا فهي تعدل ثلث القرآن.[٢١] سورتا الفلق والناس تكفيان من كل شيء عن مُعاذ بن عبد الله بن خبيب بن أبية قال: خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصلي لنا، قال: فأدركته فقال: قل فلم أقل شيئا ثم قال: قل فلم أقل شيئا قال: قل فقلت ما أقول، قال: (قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء).[٢٢] ذَكر رسول الله من فضلهما أنه لا توجد مثلهما في القرآن ولا في غيره من الكتب السماوية، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (يا عقبةُ بنُ عامرٍ ألَا أُعَلِّمُكَ سُوَرًا ما أُنزِلَ في التوراةِ ولا في الزبورِ ولا في الإنجيلِ ولا في الفرقانِ مثلُهُنَّ لَا تَأْتِي ليلةً إلَّا قرأْتَ بِهِنَّ فِيها قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وقُلْ أَعَوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)