هي الجانية والمجني عليها، هي القاتلة والمقتولة، هي المجرمة والضحية، وبالمنطق لا يمكن إقحام أي أحد في قضيتها، اللهم إلا إذا ظهر في الصورة شخص قدم لها أداة الانتحار أو دلها على كيفية تنفيذه، ولكن ماذا لو كان الجاني رجلا متخفيا بطاقية إخفاء ويتحرك في دهاليز المرأة، يرفع أوامره ونواهيه بيمناه، ويكمّم فمها بيسراه، هل يمكن أن يعتبره قانون المجتمع طرفا في عملية الانتحار؟!.
سلطة الأخ
على أحد أسرة مستشفى القبة بالعاصمة كانت تجول ببصرها في وجوه الأشخاص الذين أحاطوا بها وكأنها تستجدي منهم الحياة التي فقدتها في لحظة غضب، إنها فتاة في مقتبل العمر جيء بها من إحدى ولايات الغرب الجزائري في حالة خطيرة جدا بعد أن تناولت مادة سامة، وحسب أفراد أسرتها الذين تنقلوا بها إلى المستشفى فان”ن. ه” تشاجرت مع أخيها حول برامج الفضائيات التي كانت يتحكم فيها دون أن يقبل نقاشا مع أحد، فضاقت هذه الفتاة بتصرفات شقيقها ودخلت معه في شجار عنيف فضربها ضربا مبرحا ومنعها من الذهاب إلى الثانوية في اليوم الموالي ودون تفكير في عواقب الجريمة التي سترتكبها في حق نفسها، تناولت مادة سامة وكانت النتيجة أنها ماتت بعد ثلاثة أشهر بعد أن عجزت الأجهزة عن إمدادها بحياة أخرى
دفعها زوجها للانتحار
بالرغم من مستواها الدراسي المحدود تقدم لخطبتها طبيب من العائلة، حيث رأى أن جمالها كفيل بإلغاء الحواجز التي كانت بينهما، وبالفعل لكن مسالة التفاوت العلمي بينهما لتشغل باله كونه من النوع الذي يخلع ثقافته ومستواه العلمي الرفيع مع مئزره كل مساء ليعود من دونهما إلى البيت، وظهر هذا الأمر جليا في تصرفاته اللاإنسانية مع زوجته التي كان يعتبرها ملك يمينه، حتى وان بدا له أن يغلق عليها باب الشقة بالمفتاح، وهو يعلم انه لا يعود إلى البيت إلا في ساعة متأخرة من المساء، والأدهى من هذا انه ثبت أخشابا على النوافذ حتى لا يتسنى لها أن تفتحها، زد على ذلك طباعه الفظة وذلك في مأكله ومشربه ونومه وطريقة كلامه، ووسط هذه الضغوط لم تكن تجد زوجته ما ترد به، سوى أنها وقعت ضحية الفارق العلمي بينهما، وذات يوم أطلعها عمها من خلف الباب بخبر وفاة والدها في حادث مرور، فلم تتمالك نفسها من هول ما سمعت، وانقضت على الباب لتفتحه، لكن دون جدوى، وعند عودة زوجها من العيادة طلبت منه أن يأخذها إلى بيت أهلها لكنه رفض بحجة أن ذهابها في تلك اللحظة لن يغير من الأمر شيئا، فهددته بقتل نفسها، ولم يزده ذلك إلا عنادا اعتقادا منه انها غير جادة في تهديدها، وراح ينظر إليها في ذهول وهي تتناول قارورة من سائل خطير ولم يتمكن من الوصول إليها إلا بعد أن أفرغت محتواها في جوفها، وماتت بعد أسبوع من ذلك
تقول الدكتورة شعلال، طبيبة مختصة في الأمراض النفسية والعصبية بسطيف، إن محاولات الانتحار تكثر في وسط النساء أكثر من الرجال، إلا أن معظم محاولاتهن تبوء بالفشل لأن المرأة بطبيعتها الحساسة لا تستطيع قتل نفسها بأبشع الطرق، لذلك تلجأ إلى تناول في غالب الأحوال إلى تناول الأدوية لأنها لا تسبب لها أي ألم، بينما ينجح الرجال في محاولاتهم لأنهم يختارون أقصر الطرق للموت وأنجح الوسائل، وسواء نجحت محاولة الانتحار أو فشلت فالنتيجة أن المرأة تهدف إلى إيصال رسائل مشفرة إلى المجتمع من خلال محاولتها الانتحار ليلتفت إليها وهي تئن تحت ضغط الرجل.
رفقا بالقوارير
من الإجحاف أن نتهم كل الرجال في قضايا انتحار النساء، ولكن حسبنا أن نعلم أن الكثير من محاولات الانتحار يقف وراءها رجل يروق له استعراض عضلاته على المرأة ربما ليثبت لنفسه أنه الأقوى والأقدر على السيطرة وصاحب الكلمة الحاسمة في البيت، ما يدفع المرأة دفعا إلى التفكير في الانسحاب من الحياة والتفكير في الانتحار عندما يغيب الوازع الديني وتتحد الظروف النفسية السيئة عليها، فعلى هذا الرجل أن يضع في حسبانه أنه سيأتي يوم ويشرب من نفس الكأس التي سقاها لأخته أو زوجته، عندما يضعه الله المنتقم في امتحان عسير مع أحب الناس إلى قلبه وهي ابنته، ويرى بعينيه كيف يقهرها أخوها أو زوجها وهي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها إلا بالاستقالة من الحياة.