ويُسرع الرجل لري حديقة منزله وسط تلال جنوب بيروت مستغلاً الساعة الوحيدة التي خصصتها الدولة في إطار ترشيد استهلاك الكهرباء لتشغيل معدات الري، بعدها اتصل بوالدته التي تواجه صعوبات في محاولة الحصول على جواز سفر جديد من وكالة حكومية تعاني من نقص الورق والأحبار، وقال الشعار إن “القطاع العام يقترب من نهايته إذا واصلنا السير على هذا النحو”.
واستفحل الشلل في القطاع العام، وامتد للقضاة الذين بدأوا احتجاجهم هذا الأسبوع، فيما بحث جنود عن عمل إضافي لكسب قوتهم وانقطعت الكهرباء ونفدت الإمدادات المكتبية الأساسية بالمكاتب الحكومية، ووصلت البنية التحتية لنقطة الانهيار، حيث أثقل كاهلها بالفعل ضغوط بسبب الإنفاق غير المحكوم والفساد على مدى سنوات وتفضيل الحلول السريعة على الحلول المستدامة.
وقالت لمياء المبيض من معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي وهو مركز أبحاث بوزارة المالية “نحن في حالة انهيار”، وفي مبنى البرلمان، لا يوجد وقود لتشغيل مولد المصعد الكهربائي لذلك يرسل حراس الأمن الرسائل صعوداً وهبوطاً على الدرج بين العمال، وتم إعطاء أولئك الذين يقومون بتسجيل سيارات جديدة أوراقاً مكتوبة بخط اليد بدلاً من المستندات الرسمية الحكومية بسبب نقص الورق.
وانخفض متوسط الراتب الشهري للموظف العام من حوالي 1000 دولار إلى 50 دولاراً بالكاد، مع استمرار هذا الاتجاه النزولي، حيث تفقد الليرة اللبنانية المزيد من قيمتها يوماً بعد يوم، ودفع ذلك عشرات الآلاف من موظفي الدولة، في الوزارات والهيئات الحكومية المحلية والمدارس والجامعات والمحاكم وحتى وكالة الأنباء الحكومية، إلى الإضراب، ولن يحضر 350 قاضياً لبنانياً جلسات هذا الأسبوع، في احتجاج للمطالبة برفع رواتبهم أيضاً.
وقال فيصل مكي، أحد مؤسسي نادي القضاة في البلاد، “جاعوا القضاة”، وأضاف أن وزارة العدل تعاني منذ فترة طويلة من نقص التمويل لذا كان القضاة، على مدى سنوات، يشترون الورق والحبر لطابعات مكاتبهم على نفقتهم الشخصية، وتابع “في العدلية كان الوضع صعب من الأساس، وكنت أنا أشتري الورق والحبر للمكتب، بس هلق (الآن) ما بقدر أشتريهن لأن بيصير ما فيي آكل، أكيد هي دولة فاشلة”.
حياة بدائية
ورداً على ذلك، تقوم الحكومة بتطبيق سياسات جزئية، ووافقت، في إجراء لسد الفجوة لمدة شهرين، على زيادة المزايا اليومية وتقديم مساعدات اجتماعية لمعظم موظفي الدولة، الأمر الذي ترتب عليه في واقع الأمر زيادة الدخل الشهري الصافي إلى 200 دولار فقط.
ولكن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى 11 مثلاً، وتحول الكثير من المطاعم وحتى مزودي الخدمات إلى الدولار، فإن غصن الزيتون الذي قدمته الحكومة لم يكن كافياً بالنسبة لحوالي 150 ألف عامل في القطاع العام، وقال الشعار “لا يستطيع أي موظف حكومي شراء كيلو من اللحم أو الدجاج إلا مرة واحدة في الشهر، أصبحنا نعيش حياة بدائية، لا نشتري سوى الحاجات الأساسية”.
وقالت نوال نصر، رئيسة رابطة لموظفي الإدارة العامة، إن “العمال يطالبون بزيادة رواتبهم بمقدار خمسة أمثال والمساعدة في تحمل النفقات الباهظة للتعليم والصحة، لكن ذلك أثار مخاوف من حدوث تضخم جامح”.
وفي غضون ذلك، تعثرت إيرادات الدولة مع توقف تحصيل الضرائب لمدة شهرين في ظل إضراب الموظفين المعنيين، وقال رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي إن تلبية كل مطالب العمال ضرب من “المستحيل”، مضيفاً أن ذلك سيؤدي إلى تدهور الوضع بصورة أشد، وقال إن زيادة الأجور يجب أن تأتي في سياق خطة أوسع للاستقرار المالي.
تفريغ الدولة من الكفاءات
ولكن الفصائل السياسية لم تتوصل بعد إلى توافق حول خطة من هذا القبيل، مما يتسبب في خسارة الحكومة بعضاً من موظفيها ذوي المهارات العالية، وقالت لمياء المبيض إن “ما يقرب من ستة من كل عشرة موظفين حكوميين إما يغادرون أو يخططون للمغادرة، بوتيرة لم تحدث منذ الحرب الأهلية في البلاد من عام 1975 إلى 1990″، وأضافت أن الأمر ليس مجرد أرقام وأن هؤلاء هم الأفضل في الدولة اللبنانية، ومضت قائلة إن البلاد بحاجة إليهم للتعافي وتطبيق أي خطة إصلاح هيكلي.
ويقول الشعار، الحاصل على درجة الدكتوراه ويرأس مديرية ضرائب رفيعة المستوى بوزارة المالية بعد قرابة ثلاثة عقود في العمل بالقطاع العام، إنه يشعر بالإحباط ويريد مغادرة لبنان، وفقدت النقابة العمالية التي ينتمي إليها نصف أعضائها تقريباً، وحصل ممثلها لعمال الطيران مؤخراً على تذكرة ذهاب بلا عودة من بيروت، وبالنسبة لمن بقوا، يبدو أن تراكم المشاكل في لبنان سيطالهم في نهاية الأمر.
وأعرب عن أسفه قائلاً إن “السنوات الماضية دمرت كل جهودنا”، متذكراً خطوات كانت تهدف إلى تحسين الحوكمة عبر أنظمة تكنولوجيا المعلومات والتي توقفت بسبب الأزمة، وقال “من سيبقى؟”.
زاجل نيوز