في ظل استمرار تدني أسعار الطاقة العالمية، مع توقعات بتباطؤ نمو نشاط القطاع غير النفطي رغم إمكانية بتسجيله بعض الزيادات، رجح “بنك الكويت الوطني” اعتدال نمو الاقتصاد الإماراتي الحقيقي ليصل إلى 2.5% على أساس سنوي خلال 2016، مع استمرار ركود نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي النفطي.
وجاء في تقرير البنك، أنه من المتوقع استمرار نشاط الناتج الإجمالي الحقيقي النفطي بالتراجع على المدى القريب إلى المدى المتوسط وسط وفرة الإنتاج العالمي، وأن يستمر نموه بالتباطؤ خلال 2016، ثم يحقق تعافياً طفيفاً 2017 على خلفية ارتفاع مستويات الإنتاج.
اعتدال نمو اقتصاد الإمارات
وذكر “الوطني” أن نمو الاقتصاد غير النفطي سيفقد نشاطه قليلاً في 2016، مع حفاظه على اعتدال وتيرته تماشياً مع بعض الزيادات بقطاع الضيافة، والبناء والتشييد، حيث حافظ عدد المسافرين عبر “مطار دبي الدولي” على مستواه كأكثر المطارات ازدحاماً عالمياً للعام الثاني على التوالي في 2015، وارتفع عدد المسافرين إلى 78 مليون مسافر.
ومن المتوقع أن يحافظ قطاع البناء والتشييد على قوة نشاطه، تماشياً مع استمرار التجهيزات للمعرض الدولي (إكسبو 2020) التي من ضمنها تشييد المباني، وتوسعة المترو، والطرق، والجسور، بحسب صحيفة “الأنباء”.
إلى ذلك، خصصت سلطات دبي 16.6 مليار درهم لمشاريع البنية التحتية في ميزانيتها لـ2016، أي أعلى من مخصصاتها لميزاينة 2015 بواقع 1.8 مليار درهم.
وستكون مشاريع البنية التحتية دائمة ومن ضمن خطة الدولة للرؤية التنموية، كما تعتزم السلطات الاستثمار في الاقتصاد المحلي بنحو 300 مليار درهم (82 مليار دولار) لخلق اقتصاد قائم على المعرفة بعد النفط، وتتضمن تلك الخطة مضاعفة قوى العمل في الاقتصاد الجديد بحلول 2021.
وأعلنت الإمارات العام الماضي عن سياستها لمرحلة ما بعد النفط، وأطلقت عليها “السياسة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار”، التي تتضمن 100 مبادرة في القطاعات الصحية والتعليمية والطاقة والنقل والمياه والتكنولوجيا، بعيداً عن النفط، كما تهدف لمضاعفة الإنفاق على البحث العلمي 3 مرات حتى 2021، وطرح استثمارات بقيمة 300 مليار درهم.
ولفت تقرير “الوطني” إلى تباطؤ الاقتصاد في دبي من 5.3% على أساس سنوي خلال الربع الثاني 2015 ليصل إلى 4.2% نهاية الربع الثالث، تماشياً مع اعتدال النشاط غير النفطي من 5.4% على أساس سنوي إلى 4.1% خلال الفترة ذاتها.
بدورها، أعلنت “دائرة التنمية الاقتصادية لأبوظبي”، عن أن السلطات في العاصمة تطمح أن يصل بنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي إلى ما يقارب 8% على مدى العشرين عاماً القادمين.
استقرار أسعار السكن في دبي
وشهدت أسعار العقار السكني استقراراً أواخر 2015، بعد أن سجلت تراجعاً خلال معظمه، ووفقاً لشركة “استيكو” للخدمات العقارية، تراجعت أسعار الشقق في دبي بنحو 5.1% على أساس سنوي نهاية الربع الثالث 2015 و3.4% على أساس سنوي خلال الربع الأخير.
وأثرت قوة الدرهم أمام العملات الرئيسية للأسواق الناشئة سلباً على سوق العقار، ومبيعات المشترين الروس والآسيويين، أما بالنسبة للإماراتيين ومواطني دول “مجلس التعاون الخليجي” فمن المتوقع أن يكون هذا التأثير محدوداً لارتباط عملاتهم بالدولار.
وبات من الواضح أن سوق العقار في دبي يشهد حركة تصحيحية، واستطاعت المعايير الجديدة توجيه السوق العقاري إلى المسار الصحيح.
تباطؤ معدل التضخم
وسجل معدل التصخم تراجعاً مطلع النصف الثاني 2015، بعد أن بلغت أسعار الإيجار السكني التي تشكل وزناً كبيراً في المؤشر أعلى مستوياتها.
وظل معدل تضخم أسعار المواد الغذائية منخفض نسبياً، وأدى ذلك إلى استمرار تراجع معدل التضخم لفبراير (شباط) إلى 2.2% على أساس سنوي من 2.5% في يناير (كانون الثاني).
وبلغ نمو تكاليف المنازل أعلى مستوى له عند 10.2% على أساس سنوي في يونيو (حزيران) 2015، وبدأ بالارتفاع منذ أواخر 2013 نتيجة تعافي قطاع العقار السكني.
وجاء ارتفاع نمو تكاليف المنازل خلال النصف الأول 2015 نتيجة رفع أسعار الكهرباء والماء للمواطنين والوافدين، إضافة إلى إلغاء سقف الإيجارات بأبوظبي، ولكن من المحتمل تراجع تضخم الإسكان على المدى المتوسط، نتيجة وفرة الوحدات السكنية، وتراجع التأثير الذي تركه رفع تكاليف الخدمات.
وسيحد أيضاً كل من قوة الدولار، وتراجع أسعار السلع من أي ارتفاعات بالمعدل العام نتيجة تقليص الدعم، لذا توقع “الوطني” تباطؤ معدل التضخم من 4.1% في 2015 إلى 3.5% خلال 2016.
مواجهة العجز المالي
وفي ظل ثبات مستويات الإنفاق وتراجع الإيرادات (مع بلوغ سعر التعادل للنفط 70 دولاراً للبرميل) من المتوقع أن تسجل الميزانية عجزاً مالياً بسيطاً يبلغ 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي في 2016.
وستتمكن الدولة من تمويل العجز المالي كونها تمتلك احتياطات مالية ضخمة تشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي بواقع 200%، فإنه ليس من المحتمل أن يحتاج اقتصاد الإمارات أي دعم مالي كبير على المدى المتوسط.
ومن المتوقع أن تحافظ إماراتي دبي وأبوظبي على ارتفاع مستويات الإنفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية، كما من المتوقع تسارع الإنفاق على مشاريع البنية التحتية في دبي خلال فترة الاستعدادات للمعرض الدولي (إكسبو 2020).
لكن في المقابل، أجرت إمارات الدولة الأساسية بعض الإصلاحات المالية مؤخراً، إذ تشير بعض التقارير الأخيرة إلى قيام أبوظبي بتأجيل أو تخفيض إنفاقها على عدد من المشاريع التي لا تعد ذات أولوية.
وربما ترتفع الإيرادات غير النفطية جراء فرض ضريبة سفر في “مطار دبي الدولي” اعتباراً من 1 يوليو (تموز) 2016 بقيمة 35 درهم (9.54 دولار) والتي من شأنها دعم وتمويل مشاريع الإمارات التنموية.
وأفاد “الوطني” أن مجموع الضرائب المجمعة سيصل إلى 500 مليون دولار سنوياً، باعتبار أن “مطار دبي الدولي” صُنف 2015 كأكثر مطارات العالم ازدحاماً بعبور ما يصل إلى 78 مليون مسافر خلال ذلك العام.
كما تعتزم السلطات في الإمارات أيضاً تجميع الديون من الأسواق العالمية، بغرض تمويل العجز في الميزانية، وللحفاظ على الأصول الخارجية.
وبإمكان الإمارات الحصول على قيمة كبيرة من القروض، لاسيما أن مستوى الدين الخارجي لديها يعتبر منخفضاً نسبياً ويُقدر بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المتوقع أن يعود الميزان المالي لتحقيق فائض بحلول 2017، نتيجة تعافي أسعار النفط تدريجياً وارتفاع مخطط في الإنتاج، كما سيستمر فائض الحساب الجاري بالتراجع خلال 2016 نتيجة تراجع إيرادات الصادرات النفطية وارتفاع الواردات.
أما إيرادات الصادرات غير النفطية، فستشهد استقراراً على خلفية تحسن الزيادات في كل من قطاع التجارة والسياحة، ومن المحتمل أن تواجه صادرات الإمارات غير النفطية بعض الضغوطات نتيجة قوة الدرهم.
وسجل الدرهم نمواً على خلفية قوة الدولار في مؤشر الإمارات الموزون تجارياً، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الصادرات، وساهم بجعل الإمارات عالية الكلفة سياحياً واستثمارياً بالنسبة لوافدين من دول “مجلس التعاون الخليجي” وأميركا.
وتعد الدول الآسيوية من أكبر الشركاء التجاريين للإمارات، وربما تشهد عملات تلك الدول التي لا ترتبط بالدولار تراجعاً مقابل الدرهم.
فيما ستحافظ قطاعات العقار والاقتصاد غير النفطي على مستوياتها الجيدة في ظل التراجع الحالي لأسعار النفط، كما سيساعد إلغاء العقوبات الغربية عن إيران على إنعاش التجارة بالإمارات ولا سيما بالقطاع غير النفطي، وتعد الإمارات الشريك التجاري غير النفطي الأكبر لإيران والمصدر الرئيسي للسلع المستوردة.
نمو الائتمان المصرفي
واستمر الائتمان المصرفي على وتيرته المعتدلة بالارتفاع رغم تراجع أسعار النفط، وتباطؤ نشاط سوق العقار، مدعوماً بنمو الائتمان في قطاع التشييد والبناء الذي ساهم في ارتفاع نمو القروض إلى 7.9% على أساس سنوي في فبراير (شباط) من 7.4% خلال يناير (كانون الثاني).
وسيتحسن نمو القروض مع ارتفاع متوقع في الإنفاق الرأسمالي في فترة الاستعداد للمعرض الدولي (إكسبو 2020).
وظلت وتيرة نمو الودائع متراجعة نسبياً، نتيجة تراجع نمو الودائع الحكومية بصورة رئيسية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإيرادات النفطية.
وأصدرت السلطات في دبي قانون إفلاس مصغر للتخفيف من حالات التعثر بين الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومنذ صيف 2015 شهدت تلك الشركات تأخيراً أو تعثراً في سداد عملائها، ما أدى إلى ارتفاع المخاوف حول الآثار السلبية على القطاع المصرفي نتيجة هذا التعثر، إلا أن عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة حافظ على قوته العام الماضي عند 18% على أساس سنوي.
ويقدر “اتحاد مصارف الإمارات” حجم ديون الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تواجه خطر التعثر في السداد بين 5 و7 مليارات درهم (1.4 – 1.9 مليار دولار)، فيما بقيت مخصصات القروض المتعثرة مستقرة خلال 2015.
وربما يؤدي تعثر سداد قروض الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى تسارع مخصصاتها، ولكن مع بلوغ إجمالي الائتمان 1.4 تريليون درهم، وبلوغ قيمة خطر التعثر بالسداد في الشركات الصغيرة والمتوسطة 7 مليارات درهم (بحصة تبلغ 0.5%)، فإن أثر التعثر سيكون محدوداً على القطاع المصرفي.
وأقدمت الحكومة على توفير نظام جديد لإعادة جدولة القروض في مارس (آذار) 2016، أو كما أطلق عليه رئيس اتحاد مصارف الإمارات، عبد العزيز الغرير “قانون إفلاس مصغر”، وذلك بهدف تقليل احتمالية التعثر في السداد ودعم الثقة في القطاع.
خطوات لدعم أسواق الأسهم
وواجهت مؤشرات دبي وأبوظبي الرئيسية ضغوطاً خلال النصف الثاني 2015 تماشياً مع الأسواق الخليجية والعالمية، وتراجع أسعار النفط.
وفي المدى القريب للمتوسط، من المتوقع أن تظهر التأثيرات الإيجابية لقانون الشركات الجديد والذي يشمل التقليل من النسبة الأدنى من الأسهم التي يجب طرحها وقت الاكتتاب من 55% إلى 30%، ما يساهم في زيادة مستوى الاكتتاب.
واعتبر عدة مستثمرين أن نسبة 55% عالية و منعت العديد منهم من بيع حصة كبيرة من استثماراتهم.
فوائد ربط الدولار بالدرهم
ساهمت سياسة أسعار الصرف الحالية في دعم استقرار الاقتصاد الكلي للإمارات، ودعم معدل التضخم والحفاظ على ثقة المستثمر، ولكن واجه الربط بعض الضغوطات نتيجة تراجع أسعار النفط مؤخراً، وقوة الدولار أمام معظم العملات الأخرى، إلا أن امتلاك الإمارات لاحتياطات مالية متينة مكنها من دعم ارتباط عملتها بالدولار.
تباين حول مستقبل النمو
ومؤخراً، توقعت مؤسسة الأبحاث العالمية “الايكونوميست انتيليجانس يونت”، نمو اقتصاد الإمارات بحوالي 3.6% خلال الفترة من 2015 وحتى 2019.
وأن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للإمارات إلى 3.2% خلال الفترة من 2015 إلى 2030، وأن يبلغ 2.5% تقريباً من 2015 وحتى 2050.
وذكرت تقديرات المؤسسة، أن متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي للفرد سيصل إلى حوالي 0.7% من 2015 حتى 2050، وأن نمو الناتج المحلي في الإمارات سيبقى مرتبطاً خلال الفترة بنمو العائدات النفطية إلى حد كبير.
فيما رجح “صندوق النقد الدولي” نمو اقتصاد الإمارات 2.4% خلال العام الجاري، منخفضاً عن عام 2015 الذي سجل معدل نمو 3.9%، كما توقع أن يحقق اقتصاد دبي نمواً قدره 3.7% مرتفعاً عن العام الماضي (3.6%)، وأن تحقق أبوظبي نمواً قدره 1.7% مقابل 4.4% نهاية 2015.
يذكر أن عائدات الصادرات في البلدان المصدرة للنفط انخفضت بمقدار 390 مليار دولار في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نهاية 2015، بنسبة تراجع تقدر بنحو 17.5% من إجمالي الناتج المحلي لتلك البلدان.