الإيجابية
يحتاج الإنسان دائماً إلى الإلهام الذي يوجهه نحو الطريق الأفضل والأمثل، ويسعى البشر بطبعهم إلى أن يكونوا دائماً سُعداء ومثاليين، يعيشون بصفاءٍ وطموحٍ عالٍ، متحفّزين ومنتجين، غير أنَّهم لا يعلمون كيف يكونُ ذلك، لا شكَّ أنَّ سلوك الإنسانِ وقراراته ناتجة عن طبيعةِ تفكيره ونظرته للأمور والمتغيرات من حوله، وأنَّ الأفكار التي يحملها الإنسان عن ذاته تنعكس على حياته وبيئته لتصبح جزءاً من مكوناته التي تشارك في تحديد مساره وأهدافه وطريقة معيشته، فإذا ما اتَّسمَ تفكيره بالبؤس والسوادِ والضعفِ والخوف فإنَّه حتماً سيُصارع الدنيا بعقباتها دونَ الوصولِ إلى حالة الأمانِ والراحة التي يفترضها، أما إذا كان المرء قوياً، وإيجابياً، مسيطراً على أفكاره وتحليلاته وحساباته الذاتيَّة والنفسيَّة فإنَّه سيتمتع بديمومة الاستقرار وسلامة السلوك والتصرُّف.[١]
مفهوم الإيجابيَّة
توصف الإيجابيَّة بأنَّها دوافع النَّاس وميولاتهم التكيُّفيَّةِ والتصحيحيَّة تجاه الواقعِ والظروف، وسعيهم لقبولِ الحالِ كما هو أو تغييره وتبديله لما هو أحسن، واستثمارهم لطاقاتهم وإرادتهم لمواجهة التحديات والصعاب لتحقيقِ الأهدافِ وإنجاز الأعمالِ والوصولِ إلى المطالب، وتُعرف الإيجابيَّة لغةً بأنَّها كل ما يصدر عن الأفراد من أعمالٍ أو أفكارٍ ناجحةٍ وموفَّقة.[٢]
أمَّا التعريف الاصطلاحي للإيجابيَّة فيشيرُ إلى منبتها المتأصِّل والمنبعث من الفطرة السليمة للإنسانِ التي تدعوه لتمثُّلِ القيمِ والأخلاقِ النبيلة كالصدق والبساطة والاستقامةِ، وتُشعل فيه روح المبادرة والتغيير والإدراك السليم، وتُعرف بأنها الحالة النفسيَّة التي تُثيرُ رغبة الفردِ في إصلاح نفسه وتصحيح مجتمعه والانفتاح المُشرقِ نحو المجتمع والتواصلُ المرغوبُ مع عناصره وأركانه.
كما تعرف الإيجابيَّة بكونها مشاعر الفردِ وأحاسيسه التي تُشكِّل لديه حسَّ المسؤولية نحو الآخرين.
كيف تصبح شخصاً إيجابيّاً
تحملُ الوصايا والرسائل التربوية عادةً الكثير من العبارات الداعية إلى تمثُّل الإيجابية والعمل بها وتوطينها في النفس والجهد والفعل والسلوك، غير أنَّ ما يحتاجه المرءُ هو التعرُّف إلى الطريقة والآلية التي تدلُّه على الإيجابيَّة وتصنع منه بحقٍّ إنساناً إيجابياً، والحثُّ على الإيجابيَّة أو الإرشاد إليها يجب أن يرافقه دليلٌ واقعيّ يُعرِّف الناس بأساليب تحقيقها والوصولِ إليها، وفيما يلي بعض الركائز والوصايا النَّاجعة في بناء الشخصيَّة الإيجابيَّة وتحقيقها:
أن يفهم الإنسانُ حدوده ومسؤولياته:
ومن ذلك أن يستشعر مسؤوليَّته وتكليفاته الشرعيَّة وفرديَّة حسابه ومحدوديَة مسؤوليته في ذلك، فلا يبني لنفسه صلاحياتٍ وهميَّة لمحاسبة الآخرين ومساءلتهم. الرِّضا بالعمل وتقدير الإنجاز مهما كان مستواه وحجمه، وإنصاف الذات بأفعالها وأعمالها مهما قلَّت أو صغرت، وصرف النفس عن احتقار الأداء الذاتي والتقدم البسيط، والتفكيرُ الإيجابي بما يملك المرءُ من قدرات وطاقات، فكلُّ ذلك موزونٌ عند الله ومجازى.
عدم تحميل النَّفس مالا تطيق:
ويكون ذلك بالتعرف إلى الذات وقدراتها وما يميزها ويُعينها لإنجاز المهام وفهم الحدود الذاتيَّة لطاقتها وقدراتها، فلا يتكلف المرء بما يعجز عن فعله وما يصعب عليه التأقلم في أدائه. بناءُ الأهداف بما يتناسبُ مع دوافع الإنسان وميوله، لا على ما يكره ويحذر، فالأولى بمن أراد الإنجاز أن يسعى لما يحبُّ أن يرى نفسه عليه لا أن يسعى لدفع ما يخاف منه ويحذر، فالأهداف تُبنى على الضروراتِ لا على المُكرهات.
أن يُركِّز المرء سعيه وجهوده على ما يُحقِّقُ الإشراق والسعادة في حياته
وعلى ما كنَزته خبراته من تجارب ناجحة مرَّ بها، وحقَّق الإنجاز والإبداع فيها، وهذا ما يمثِّل الاختصاص في الأمور المجرَّبة.
تقدير الذات وتعزيزها ومحاربة الشعورِ بالنَّقص والعجزِ والنَّظرة السَّوداوية
بصرف النَّظر عن القصور الواقعي في القدرات والمنجزات والطاقات المكتسبة أو غيرها من الجوانب الماديَّة أو المعنويَّة، فتقدير الذات استثمارٌ يرفع قدراتها ويزيد مُكتسباتها ويعزِّز إيجابيَّتها، وتحقيرها يفسد النجاح ويشوِّه الأهداف. اليقينُ والإيمانُ بالنَّجاحِ وربطِه بالمفاهيمِ الواقعيَّة للسَّعادةِ والحبِّ والاعتزازِ.
تعلُّم التفكير وقيادة الشعور والسلوك والسيطرة
فالأفعالُ تنتج عن الصورة الذهنية التي يرسمها الفردُ عادةً لحياته وانفعالاته وتفكيره ومشاعره، وتتحقَّق الإيجابيَّة بإبداعِ الصورة الذهنيَّة ورسمها بطريقةٍ تُعالج الأخطاء وتقتنصُ الفرص وتتوقَّعُ الظُّروف وتخطِّط للبدائل.
المثابرةُ في استشراف الفوائد والعوائد الإيجابيَة من جميعِ المواقف مهما تضمنت من صعوباتٍ وتحدِّيات
ومجاهدة الأفكار السَّلبيَّة ودفعها ومنعها من التعشيش في تفكير المرءِ وعقله. مساعدة النَّفسِ على خلق البيئة الإيجابيَّة المناسبةِ لها باختيار الصُّحبة الصَّالحة والأصدقاء الدَّاعمين والموجِّهين.
تحديد الأهداف:
إنَّ أوَّل انطلاقةٍ إيجابيَّةٍ نحو النجاح تتمثَّلُ في تحديدِ الأهداف المنطقيَّة والواقعيَّةِ بما يتناسبُ مع خصائص البيئة والذات والواقع، وينبغي أن يتضمن تحديد الأهدافِ معرفة حدود الإمكاناتِ والتطبيقِ، والقدرة على التأمل والتخيُّل وصنع الواقع من خلالِ استمطار الأفكارِ بمنطقيَّةٍ يحكمها العقلُ والخيالُ معاً، وإحاطة ذلك كلِّه بإيجابيَّةِ العملِ وتوقُّع القادم.
ثمرات الإيجابيَّة
تعودُ الإيجابيَّةُ بمنافع كثيرة ونِعمٍ شتَّى على من يحملونها بأرواحهم ويتمثَّلونها بسلوكيّاتهم، فلا يتوقَّف الأمر على تحقيق النجاح والرِّضا عن الذات، إنَّما يتعدَّى ذلك ليحقِق الأمن المجتمعيَّ والتَّصالح الدَّاخلي، ويمكنُ تلخيصُ الفوائد والثَّمرات المهمَّة للإيجابيَّة ذكراً لا حصراً بالإشارةِ إلى بعض مكتسباتها فيما يلي:
- تحقِّق الإيجابيَّة للفردِ ثقةً عظيمةً ورضاً ذاتياً، فصاحب التفكيرِ الإيجابيّ يمتلكُ ثقةً عاليةً بنفسه وقدرةً على تحقيقِ أهدافه وطموحاته.
- تولِّد الإيجابيَّة شعوراً بالسَّعادةِ وانطلاقِ الذِّهنِ وتحصيناً للفؤادِ ضدَّ المنغِّصاتِ والهموم، فتصنعُ بذلك أخلاقاً طيَّبةً حسنةً وتجمعُ الأصحابَ والأصدقاء حولَ مُتخلِّقها وحاملها.
- يحفِّز التفكيرُ الإيجابيّ على الإبداع والابتكارِ والإلهام، ويصنع الفرق في الإنجاز والقدرة على الإنتاج.
- تُساعِد الإيجابيَّة على بثِّ روح التسامح والتَّوافقِ والمودة في جوِّ الأسرة وأفرادها، وتنقل عدوى الحبِّ للمجتمعِ بكافَّةِ عناصره، وتطهر القلوب من العادات السيئة كسوء الظن والغيبة والغضب.
- تحارب الإيجابيَّة القلق والمخاوف والاكتئاب وما يصاحبها من مشاعر الخسارة والكراهية والسلبيَّة والعشوائيّة.