صدمة سعاد (اسم مستعار) بهجران زوجها لها وتخليه عنها بعد أن أصابها المرض، كانت أشد وطأة عليها من المرض ذاته، فلم يكن يخطر ببالها أن جزاء تعبها وسهرها الليالي في خدمته وتربية أبنائه الصد والهجران.
خبر إصابة سعاد بالتصلب اللويحي كان صعبا عليها وعلى أبنائها، خصوصا بعد أن نال منها ولَم تعد قادرة على خدمة زوجها وأبنائها، حتى بات زوجها يقضي ساعات طويلة خارج المنزل إلى أن ترك المنزل نهائيا.
بالرغم من عجز سعاد عن الحركة في كثير من الأوقات، إلا أنها لم تجد لزوجها المبرر لتركها، ورأت أن من حقها عليه أن يسهر إلى جانبها وأن يدعمها حتى تتمكن من تجاوز هذه المحنة.
بيد أن تخلي زوج سحر عنها بعد إصابتها بسرطان الثدي كانت قاسية عليها وسببا في تأخر علاجها.
غياب زوج سحر المتكرر عن المنزل وتأخره عن العديد من مواعيد ذهابها إلى الطبيب أثرا فيها كثيرا، معتقدة أن الصدمة بإصابتها بالسرطان ربما كانت السبب، إلا أنها تفاجأت بصوره تملأ مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ لم يوفر وقتا في الترفيه عن نفسه وتجديد شبابه.
في حين كان إرسال ورقة الطلاق إلى هيفاء (اسم مستعار) بعد أشهر عدة من إصابتها بمرض عضال، أشد ألما من المرض ذاته، فلم تكن تنتظر من زوجها بعد إصابتها سوى الدعم والوقوف إلى جانبها والأخذ بيدها حتى تتخطى محنتها، مؤكدة أنها كانت تعيش أجمل أيّام حياتها إلى جانبه.
في حين يؤكد أخصائي علم الشريعة، الدكتور منذر زيتون، أن تخلي الزوج عن زوجته في وقت المرض، هو تخلّ عن الواجب، فالله عز وجل عين الزوج قائما على شؤون زوجته بقوله تعالى “الرجال قوامون على النساء”، وهذا تكليف يقتضي من الرجل القيام على شؤون المرأة والإنفاق عليها، لذلك فتخليه عن زوجته عند إصابتها بالمرض تخلّ عن تكليف إلهي، وهو عصيان لله الذي كلفه بهذه القوامة
ويعتبر زيتون هذا الأمر خيانة للوصية النبوية التي قالت “استوصوا بالنساء خيرا”، وعلى الزوج الاهتمام بها والوقوف إلى جانبها لأنها متفرغة له ولتربية أولاده.
ويردف “الفضل يرد بالفضل وجزاء الإحسان بالإحسان وحتى في معرض الكراهية والطلاق أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا ينسى الزوج فضل زوجته عليه وعلى أبنائه”، مبينا أن الأسرة تمر بمراحل سارة وحزينة ومشكلات، كما ينعم الأزواج بالأوقات الطيبة الهادئة والجميلة.
ويشير زيتون إلى أنه لا بد للزوج أن يضع في حسبانه الأوقات غير السارة والتحديات ولا يجوز التخلي عن هذه الأسرة، لأن معنى الأسرة التكافل والتراحم، وبالتالي فمطلوب شرعا من الرجل أن يقف وقوفا حقيقيا بجانب زوجته، وهو حق لها عليه.
ويبين أن وقوف الزوج إلى جانب زوجته في محنتها يكسبه احترامها وحبها له، لأنها ستقدر ذلك له بعد خروجها من محنتها، كما يعطي قدوة حسنة لأولاده في تربيتهم، وسينعكس عليهم عند كبرهم، وكل هذا يأمر به الشرع.
وبدوره، يُبين أخصائي علم الاجتماع الأسري، مفيد سرحان، أن الزواج تحقيق للسكن والمودة والرحمة بين الطرفين، والوفاء للآخر سواء في حياته الطبيعية أو وقت مرضه، إن كان عارضا مؤقتا أو دائما مزمنا، وأكثر من ذلك الوفاء مطلوب حتى بعد الوفاة، حيث يشعرون بالقيمة الحقيقية للأسرة وبقدر أهمية التماسك والتعاضد والتكافل بين أفرادها.
ويقول سرحان “إذا كان المرض قد أصاب أحد الزوجين، فإن من واجب الآخر أن يقف إلى جانبه في محنته، وأن يساعده قدر المستطاع وأن لا يتخلى عنه، ولا بد أن يكون الزوج وفياً لزوجته والزوجة وفية لزوجها، حتى يعي الأبناء هذه القيمة والصفة العظيمة وهي الوفاء، خصوصا مع شركائهم الأزواج”
وعلى الصعيد النفسي، يؤكد أخصائي علم النفس التربوي، الدكتور موسى مطارنة، أن الزواج مؤسسة اجتماعية قائمة على الحب والتعاون والمودة، مبينا أن تخلي الزوج عن زوجته في مرضها أو مرورها بإشكالية صحية أو حياتية، هو نوع من نكران الجميل وعدم احترام وتقدير الذات للشخص نفسه.
ويلفت مطارنة إلى أن الإنسان مجموعة من المبادئ والمفاهيم والقيم التي يجب أن يحافظ عليها، منوها إلى أن مثل هذا الزوج هو رجل انتهازي له إسقاطات نفسية، تتعلق بالأنانية والنرجسية المفرطة، وعاش في بيئة غير متكافلة، تقوم بها الحياة على مبدأ المصلحة، ليس هناك أي إحساس إنساني وترك الزوجة بمثل هذه الحال.
ويعتبر مطارنة ترك الزوج لزوجته بمثل هذه الحالة نوعا من عدم الاعتراف، وهذا الإنسان غير قادر على الوفاء والصدق والإخلاص، ويكون منبوذا اجتماعيا، ويمارس طقوس إسقاطاته النفسية ونرجسيته على الآخرين، وبالتالي فهو شخص لا يحترم نفسه ولا يحترم الآخرين.
ويضيف “من لا يحترم شريكة حياته بمثل هذه المواقف هو إنسان لا يحترم مجتمعه وعائلته ونفسه في نهاية الأمر”، موضحا أنه مثل هذه التصرفات لا يمكن أن تكون من إنسان سوي، وإنما مضطرب نفسيا وعقليا وهم قلة لأنهم مرضى ويجب معالجتهم، مشددا على أن الإنسان في مثل هذه المواقف يحتاج إلى التأمل والتوقف عند الاختيار قبل الزواج.