في الأردن كما في مصر، وفي الجزائر كما هي الحال في المغرب وفلسطين، تفاجأت المجتمعات العربية وعلى رأسها شريحة المعلمين وأولياء الأمور بالتغييرات المثيرة للريبة والشك في مناهج التعليم.
ففي مناهج التعليم الفلسطينية تراجعت مكانة القدس في النصوص، وفقدت نصوص قرآنية بشكل غريب.
في الأردن تلاشت الكثير من النصوص القرآنية والأحاديث، والأهم من ذلك ظهور نصوص قال عنها ناشطون ومراقبون: إنها تحوي إشارات إلى “عشتروت” الآلهة الوثنية التي ادعي في التوارة أن سيدنا سليمان افتتن بها، وإلى الهيكل الصهيوني المزعوم.
في الجزائر ظهر اسم الكيان الصهيوني على خرائط كتاب الجغرافيا، واندلعت معركة بين معلمة عبرت عن اعتزازها باللغة العربية ووزارة التربية الجزائرية.
وفي مصر اختفت نصوص قرآنية، وفي المغرب كذلك، وهي الأكثر شبهًا بمناهج التعليم الأردنية.
ردود الفعل الرسمية كانت متشابه؛ ففي الجزائر أعلنت وزارة التربية عن عدم علمها بالتغييرات، وظهرت دعوات لمقاطعة وزيرة التربية في الشارع الجزائري، وفي الأردن أعلن وزير التربية عن عدم علمه بالتغييرات، وشكل لجانًا للمتابعة، وبرز حراك في الشارع، قاده المعلمون ونشطاء التواصل الاجتماعي، وظهرت حالة استهجان واسعة في الشارع الأردني، والمترافقة مع مزيد من الاكتشافات المثيرة للاهتمام بين الحين والآخر.
ولم يختلف المشهد في المغرب؛ إذ خرج وزير التربية والتعليم منكرًا معرفته بالتغييرات، وفي فلسطين الحال ذاته.
ما الذي يحدث؟ ومن هم أبطال هذا المشهد، أم أنه اللهو الخفي؟! والى من تعود اليد الخفية التي تتمتع بكل هذه القوة والقدرة على الوصول إلى خمس دول عربية بيسر وسهولة؟
هل هي قوى إقليمية أم دولية؟ هل هم الممولون الدوليون والإقليميون، أم أن هناك اختراقاً صهيونياً مختبئاً خلف دخان الاشتباك مع العلمانيين في العالم العربي؟
الأسئلة مشروعة؛ فالظاهرة لم تعد خاصة ببلد عربي بعينه، وإنما هي جهد منسق ومدروس، والظاهرة آخذة بالتمدد على مساحة واسعة في العالم العربي، لتنضم إلى شعارات باقية وتتمدد، والتغييرات بلغت حد التطابق في الدول المذكورة أعلاه باستهداف القرآن الكريم، والهوية العربية الإسلامية الحضارية مع مسحة من التطبيع مع الكيان الصهيوني، تحتاج إلى خبراء ومتخصصين لاكتشافها.
البعض يقول: إنها اليد الخفية للرأسمالية المتوحشة، وآخرون يعتقدون أنه اختراق صهيوني، وطرف ثالث يتهم الليبراليين والعلمانيين الذين أصبحت المعركة معهم سبباً في قنبلة الدخان التي أفقدت المراقبين والمتخصصين البوصلة في فهم حقيقة ما يحدث.
لا يعول على نظرية المؤامرة مطلقاً في تفسير ما يحدث؛ فهي نظرية تشجع على الكسل والخمول، وتمنع الباحثين والمراقبين من البحث الدؤوب والمنهجي، لفهم الروابط والعلاقات التي تجمع بين هذه التغييرات، والجهات التي تقف وراءها، وطبيعة الأهداف الحقيقية، والأجندة المراد تحقيقها.
فهل المراد منها إثارة الفوضى، وخلق الشروخ، وتوسيع الفجوة بين السلطات والمواطنين؟ أم أنها نتيجة طبيعة لتسلل عناصر متصهينة في الدول العربية؟ أم نتيجة لصراع يقوده العلمانيون والرأسماليون للسيطرة على واحدة من أهم القطاعات المربحة، والمؤثرة فكرياً في هندسة المجتمعات وهويتها السياسية والاجتماعي ونشاطها الاقتصادي؟ أم أنها خليط من كل ما ذكر؟
انتشار الظاهرة يحتاج إلى مزيد من التعمق في البحث، كما يحتاج إلى التنسيق بين الهيئات الأهلية والشعبية والنقابات في العالم العربي؛ لتعريف ما يحدث، وتحديد سبل التعامل معه، سواء كان استهدافاً تطبيعياً أم استهدافاً للهوية أم نتاجاً لتدخلات خارجية ترغب في إثارة الفوضى أم نتاجاً لتطور طبيعي داخل المجتمعات.
وهو الأمر المستبعد بسبب طبيعة التغييرات، وسِرِّيتها، وحجم الظاهرة واتساعها؛ ما يشير إلى احتمال وجود أطراف إقليمية ودولية تمارس دوراً في ذلك على الأرجح، ويسهم بعض السذج من العلمانيين في الانخراط فيها كمعركة تنوير، لا كمعركة تطبيع واستهداف للهوية.
النقاش ما زال مفتوحاً، واكتشاف الحقيقية بات أيضاً مسألة وقت؛ بسبب طبيعة الحملة التي تفتقد إلى الذكاء، وتمتاز بالتسرع والفوقية.
والأهم من ذلك اكتشاف البصمات التطبيعية الصهيونية التي سترفع من مستوى اليقظة لدى النخب والجمهور العربي؛ فما يحدث ابتعد كثيراً عن فكرة إصلاح التعليم الذي هو حاجة وضرورة في العالم العربي تم استغلالها من قبل فئة مجهولة الهوية.