واسيني الأعرج، أديب وكاتب رواية، جزائري يكتب باللغة العربية والفرنسية، صدر له عن دار الأدب اللبنانية في النصف الثاني من عام 2016 رواية تحمل اسم “2084 حكاية العربي الأخير” يحاول فيها ان يحاكي الكاتب البريطاني المبدع جورج أويل، الذي كتب رواية “1984” في منتصف أربعينيات القرن العشرين، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فهو كتاب رائع يحاكم الديكتاتورية والحكم الشمولي الذي طحن الشعوب في دول عديدة من العالم، لرواية “1984” جاذبية رائعة لا يسع من يقرؤها الا أن يعيد قراءتها المرة تلو المرة، وان الديكتاتور الذي يطلق عليه جورد اويل الأخ الأكبر، زعيم الحزب الأوحد الذي جعل من المنتفعين بالحزب الحاكم، قتلة ومجرمين وجزارين يسلخون رؤوس البشر، ويغسلون أدمغتهم، ويقلبون حقائق العلم التي لا يمكن تغييرها، بحيث يجعلون المعارض السياسي للديكتاتور أن يتعرض لعذاب يذيب الحديد، نتيجة غسيل الدماغ بكل الوسائل الوحشية. الأديب الجزائري واسيني في روايته الأخيرة “2084 حكاية العربي الأخير”حاول فيها أن يقلد الكاتب جورج أوريل وأن يسقط الوسائل والأساليب التي ذكرت في رواية 1984 على أحداث روايته. لنبدأ مع واسيني في روايته “2084 وحكاية العربي الأخير” توحي الرواية أن الدول العربية عجزت ولم تنجح في جمع بعضها بعضا على القواسم المشتركة التي تهم الشعوب العربية في إفريقيا وآسيا بل تنظر إلى الإنسان العربي على أنه بشر خلقه الله مثل سائر البشر، له آمال يتمنى أن تتحقق فإذا أصابته مصيبة تألم لها كثيرا وتحسر على ما أصابه، بل الواقع خلاف ذلك فان البشر الذين يعيشون في (أرابيا ) يتقاتلون على الماء والكلأ وبقايا النخيل المحروق، لسبب تافه، يسحبون السيوف والسكاكين بعضهم على بعض، كأن الحدث لا يعني الشعوب في (أرابيا) هم الذين يتقاتلون، بل السلطات المتنازعة والمتصارعة هي التي تتقاتل، وتقذف الشعوب باللهب والبراميل المتفجرة لتبيد البشر والشجر، حتى الحجر ينصهر من شدة النيران التي تتساقط على الرجال والنساء والأطفال والتاريخ والحضارة وعلى كل شيء. عربي يفكر؟! تلك عجيبة !! إن صناع الموت القادمون من وراء السهول والبحار، لا يريدون للعربي أن يفكر، أن يستعمل عقله، أن ينهض، أن يتقدم، يريدون له الموت،لأن العربي الجيد في نظرهم هو العربي الميت؟! عجيب يريدون للعربي أن يكون ميتاً حتى يكون جيدا، وينسون الآلاف من علماء العرب في مختلفة مناحي الحياة العلمية، يطورون عالم البيض ويخدمون حضارتهم، ويجملون حياتهم وهذه حقيقة ي (أرابيا) أرض العرب، أرض الخيرات والتي تحتوي في باطنها كل الثروات الطبيعية، التي تجعل الحياة عندهم أكثر رقياً، لا يريدون ان يكون في بلاد (أرابيا) أرض العرب بشراً، يريدونهم أمواتاً تتغذى على جثثهم ولحوم أجسادهم الطيور الجارحة، والحيوانات الكاسرة من اجل أن يسلبوا كل خيرات (أرابيا) وما فيها من كنوز ومعادن ونفط. نمضي مع واسيني فقي روايته “حكاية العربي الأخير” حيث يرى أن سكان (أرابيا العرب) لم يكن لهم حتى حظ تجميعهم وحمايتهم مثل الهنود الحمر بل يتآكلون في عزلة الرمل ويأكل بعضهم بعضا في أرض امتصت من كل شيء ولم تعد تنجب إلا الموت، صورة مؤلمة لواقع عربي تعيس عملت قوى شريرة منذ قرون على تفريغه من روحه، من قيمه، من أخلاقه، من ثقافته، وتجعل منه لا شيء، ولا وزن له لأن مقوماته دمرت، وخيرات الأرض التي امتصت أنفقت على الاقتتال الداخلي وأصبح العرب أفواجاً من الهاربين في كل مكان في كل اتجاه يبحثون عن أرض تأويهم، وماء يرويهم، ولا يجدون من ينظر إليهم نظرة آدمية لأن الأخ الأكبر في كل بلاد العرب، يريد أن يكون صاحب الرأي الأول والأخير في كل ما يحدث، ولا يريد أن يناقشه أحد ويشير عليه برأي يقوده إلى الصواب، ولأن قيم الإسلام تقول ما خاب من استشار. يرى واسيني، في رواية “2084 حكاية العربي الأخير” أن الأخ الأكبر بعد مضي 100 سنة على ميلاده، نهاية الحرب العالمية الأولى وتقسيم العالم العربي إلى دويلات متحاربة، يرى صناع الواقع العربي المقسم والمجزأ أنه لا بد من تغذية أبناء “أرابيا” المشردين أنهم يموتون بالملايين في البراري والخلاء بعد أن سرق منهم كل شيء، حتى الحق في الحياة، أبناء “أرابيا” هم من أردوا ذلك لأنهم لم يعرفوا أن المال وحده لا يكفي لبناء قوة، هكذا صنعت لهم السذاجة والخواء الروحي والأخلاقي، لذلك أصبحت وجوه أبناء “أرابيا” محروقة ومقشرة ومنهكة وقامات الناس منحنية إلى الأمام من شدة التعب . في عالم أرابيا لا أحد يطلب شيئا من الدولة، فهي غير موجودة على الإطلاق، الناس تقضي مصالحها من أزلام الأخ الأكبر بالواسطة، بالمحسوبية، والرشوة أو كما يقولون مسح الجوخ، لذلك بهذه الطريقة تقضى المصالح على حساب الكفاءة والمقدرة والخبرة والمعرفة وهذا واقع يسبب الانهيار الدائم في بلاد “أرابيا”. في رواية “2084 حكاية العربي الأخير” نقرأ عن حروب طاحنة مزقت وقتلت ما هو موجود على أرض أرابيا، كانت الحروب على أساس اثني أو قبلي أو عرقي أو لغوي لكن اليوم أصبحت أشرس وأكثر سفكاً للدم لأن الذين صنعوا تنظيم الدولة في الخارج، وزودوه بكل أصناف الأسلحة بالداخل جعلوها “أريبيات” شيعة وسنة ، دروز وأرمن وأكراد وأمازيغ لم يعترف لهم بأي حق . يرى مؤلف رواية “حكاية العربي الأخير” أن أرابيا لم تمنح فرصة تأمل وضعها بسبب جنون حكامها وأطماعهم وإخفاقهم بأنه كلما زادت الحرب توحشاً، والفقر تغولا وأصبح التفكك سريعا وكبيرا من الصعب التحكم به، لأنه عندما يغيب العقل يحل محله الجنون نحو العدمية ويركض الإنسان الذي ماتت دولته نحو الطائفية، هذه حقيقة لأن الدولة تتحمل مسؤولية كل خلل يحدث في المجتمع وهذا ما فقدته شعوب “أرابيا” . والى هوامش أخرى حول رواية “2084 حكاية العربي الأخير” لمؤلفها الجزائري (واسيني).