بعد أن تزوجا وربط بينهما رباط الحياة الزوجية المقدس، ومرت عليهما السنوات بحلوها ومرها وبعد أن إلتحما سويا ليكونا جسدا واحدا، وبعد أن تعلق كل منهما بالآخر، يأتي الموت ليفرق بينهما وليشعر ما بقي منهما على قيد الحياة بمرارة الحرمان من شريكه وحبيب عمره وزميل كفاحه، يأتي الموت ليفصل بينهما للأبد، وليحكم عليهما بحكمه الأخير فلا مجال هنا لنقض أو إستئناف ولا مجال أبدا لعودة الأحبة مهما بكت العين وحزنت الروح وتألم القلب.
نعم لن يعودوا أبدا، ولكن هل يموت الحب بموت شريك الحياة؟
تختلف الإجابة على هذا السؤال من حالة إلى أخرى ولكن الإجابة التي تمثل الغالبية العظمى من الأزواج والزوجات، والتي نراها في عيون زوجة قد مات زوجها وحبيبها وشريك عمرها هي أن الحب لا يموت أبدا في القلب بموت الحبيب والزوج ولا يمكن لإمرأة وزوجة أحسنت عشرة زوجها وأحسن عشرتها وأحبها وراعاها وحفظها أن تسمح بأن يحدث ذلك ولو لحظة واحدة.
فالحب الذي دام سنوات عديدة وأثمر عن عشرة طيبة وذكريات ثمينة لا يمكن أن يموت أبدا، ولا يمكن أن يقل، فمن كان مكانه القلب لا يمكن أن يموت، ولا يمكن أن ينسى فهو في العين ما دامت تبصر وفي القلب ما دام ينبض.
نعم لن يموت الحب بموت شريك الحياة، بل سيحيا وسيبقى في وجدان الطرف الآخر ما دام أنه قد أحبه بصدق وعاش معه بضمير يقظ، بل سيتوج الحب بالإخلاص، نعم فما أجمل الإخلاص بعد رحيل الأحبة، فهو أنبل ما يمكن أن يهديه المحب الذي فقد شريك حياته وحبيبه وأنيسه إلى روحه الطيبة.
وهنا لا يمكن أن ننسى نماذج طيبة لأزواج ماتت زوجاتهم وعاشوا على ذكراهن حاملين في قلوبهم كل لحظة جميلة جمعتهم بهن، ولا يمكن أن ننسى أبدا زوجات مات أزواجهن ضرب بهن المثل في العفة والصبر وقوة الإرادة، فكم جميل هو الوفاء وكم جميل أن يحيا الشريك بحب شريكه الذي فقده بالموت، والذي سبقه إلى العالم الآخر، وكم مريح للنفس أن تختلي بذكريات الأحبة وتسعد بنفحاتهم العطرة.
أعلم أن الموت حقيقة وهو حق علينا جميعا وهو نهاية واحدة ومصير محتوم ومؤكد للجميع، ولا إعتراض عليه أبدا، ولكن ربي هو خالقنا يعلم بما تلج به أنفسنا من أوجاع ويعلم قدر حزننا على الأحبة ويقدر ما يمر به الإنسان عندما يفقد عزيز له.