كان العرب في الجاهلية يقسمون شهور السنة إلى قسمين: أشهر اعتيادية هي ثمانية أشهر، وأشهر أربعة حرم مقدسة خصت بآلهتهم، لا يجوز فيها قتال ولا ظلم ولا بغي ولا انتهاك لحرمات، وكانوا يقاتلون في الأشهر الثمانية يغزو بعضهم بعضا، ثم يتوقفون عن القتال في الأشهر الحرم الباقية.
والأشهر الحرم هي أربعة: ثلاثة أشهر متواليات، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وشهر منفرد هو شهر رجب، فهي ثلث السنة، وكان العرب في الجاهلية يعظمونها، ولا يستَبِيحون القتال فيها، حتى إنَّ الرجل يلقى فيها قاتل أبيه وأخيه فلا يفعل معه شيئا، استعظاما لحرمة هذه الأشهر التي هي هدنة بالنسبة للعرب؛ حيث تستريح فيها القبائل العربية وتنصرف إلى البيع والشراء والذهاب إلى النوادي والأسواق وهي آمنة لا تخشى على نفسها اعتداء ولا هجوما.
وهذه الأشهر الحرم ضرورة استوجبتها طبيعة الحياة العربية في البادية؛ فأهل البادية العربية في الجاهلية يعيشون على السلب والنهب والإغارة على غيرهم من القبائل ويتقاتلون على الماء والعشب وكانت حياتهم متقلبة تدور فيها الأحداث وتتنوع فيها الملاحم فلابد لها من هدنة، ومن فترة تستريح فيها من عناء الاقتتال، وفيها تتم تسوية المشكلات ودفع أثمان الديات والدخول في مناقشات ومفاوضات.
وقد ظلت الأشهر الحرم باقية في الإسلام وقال الله تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ..} ( التوبة:36)