يعزو متخصصون تفاقم رغبة الشباب الأردني بالهجرة إلى الخارج، إلى اعتقاد هؤلاء الشباب أن الهجرة وحدها هي الكفيلة بحل مشاكلهم، خصوصا في غياب المناخ الملائم، وتردي الأوضاع المادية والاقتصادية والسياسية، فضلا عن عدم وجود برامج حقيقية لإعادة تأهيل العاطلين عن العمل، وتفشي العديد من الأمراض الاجتماعية، كانتشار الواسطات والمحسوبية، وانسداد آفاق الحرية التي تتيح لهم التعبير عن آرائهم.
كما يضيف آخرون أسبابا أخرى، كالرغبة في التماثل، إضافة إلى أسباب اجتماعية أو تربوية، على الرغم من أن هجرة الشباب إلى الخارج تعدّ بحد ذاتها استنفادا للرصيد البشري المتعلم والمؤهل.
على هذا النحو، يشير الخبير الاقتصادي مازن مرجي، إلى أن هجرة الشباب باتت عملية مستمرة، وتعود أسبابها لسوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى البحث عن الحرية، والهروب من الحروب الجماعية، وعدم الاستقرار في بعض الدول.. وكلها عوامل تؤدي إلى هجرة الشباب، والبحث عن حياة أفضل لتحسين مستوى المعيشة.
ويشير مرجي، الى أن هجرة الشباب تزداد عند ازدياد تراجع النمو الاقتصادي، وغياب العدالة، وانتشار الواسطة والمحسوبية، إذ تصبح الهجرة فرصة للهروب من الواقع الموجود، الذي يتمثل في الفقر والبطالة، وعدم توفر فرص عمل، وغياب العدالة.
ويبين أن الحل الحقيقي يكمن في المزيد من الاهتمام بالأسباب والدوافع الاقتصادية التي تدفع الشباب للهجرة، وتوفير فرص عمل وبرامج اقتصادية تحارب الفقر، مطالبا الحكومة بخطوات جادة لتخفيض معدلات الفقر والبطالة بطريقة ملموسة، أي بمعدل أقل من 10 % على حد تعبيره.
ويقول مرجي، “من واجب الحكومة عمل برامج وبث رسائل مطمئنة للشباب، بأنها تسعى جاهدة للعمل على استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية، وأنها في طريقها لتثبيت الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي”.
كما يحث الحكومة على اتخاذ خطوات جريئة وعملية ملموسة لمحاربة الفساد بأشكاله المختلفة، معتبرا أن ما تم لغاية الآن هو مقدمة للعلاج لا أكثر.
بدوره، يعتبر وزير المالية الأسبق سليمان الحافظ، أن الشباب ثروة بشرية أهم من الثروة المالية، مؤكدا ضرورة إعادة تأهيل بعض التخصصات، والعمل على إزالة ثقافة العيب من مجتمعنا، حتى لا تتفاقم هذه المشكلة، مطالبا أسواق الخليج بفتح المجال لأبناء الأردن واستقبالهم للعمل هناك.
ويؤكد الحافظ ضرورة المعرفة المسبقة لمتطلبات أسواق الخليج، من مهن حتى يكون الشباب مؤهلين للعمل فيها.
أما الخبير الاقتصادي قاسم الحموري، فيرى أن الفارق في الأجور بين الأردن والدول الأخرى، يعدّ المحرك لهجرة الشباب طلبا للأجر المرتفع، مشيرا الى أن البطالة والأزمة العالمية المالية، تؤثران على موضوع الهجرة، بحيث يتجه الشباب الى البلدان الأقل تضررا، وبخاصة دول الخليج العربي، إذ إن ارتفاع حجم عائدات مبيعات النفط يجذب الشباب لتلك الدول، ويرى أن على السياسات الاقتصادية تشكيل عوامل جذب واستقرار للعمالة الأردنية في الداخل.
ويلفت الخبير الاقتصادي حسام عايش، إلى أن هجرة الشباب تتفاقم من سنة لأخرى، في ظل ارتفاع معدلات البطالة، التي اعتبرها “حالة منعزلة عن النمو الاقتصادي”، مبينا أن صعوبة الأوضاع الاقتصادية، وغياب السياسات الواضحة لتوظيف الشباب وتأهيلهم، فضلا عن عجز الأسر عن القيام بدورها والإنفاق على أبنائها بعد التخرج، كلها عوامل تساهم بهجرة الشباب للعمل في الخارج.
يشار الى أن معدل البطالة خلال العام الماضي، ارتفع الى 12.9 % مقارنة مع 12.5 % خلال العام الذي سبقه، بحسب بيانات العمالة والبطالة التي أصدرتها دائرة الإحصاءات العامة، وبذلك يكون معدل البطالة تجاوز مستوياته خلال العام 2009، الذي أعقب الأزمة المالية العالمية، حين كان يبلغ في ذلك الوقت 12.8 %.
ويشير عايش، الى أنه في بعض الأحيان، تتعلق هجرة الشباب بالظروف الإنسانية، أو الانسجام مع الرغبة في التماثل، معتبرا أن تأهيل الشباب للمجتمعات الأخرى يعد خسارة في الجانب الاقتصادي. ويوضح أن المجتمعات العربية عاجزة عن استيعاب وتبني أحلام الشباب العربي، معربا عن أمله في أن تصبح المجتمعات العربية قادرة على تبني قدرات وإمكانات الشباب.
ويرى أستاذ علم الاجتماع حسين محادين، أن دوافع الهجرة لدى الشباب، إما أن تكون اقتصادية أو اجتماعية أو تربوية “لإكمال التعليم”، أو عدم القدرة على إشباع أو تلبية هذه الرغبات في بلدهم، مشيرا الى أن الشباب فئة دائمة البحث عن الأفضل، ولديها حب المغامرة. ويلفت محادين الى أن خطورة هجرة الشباب تتركز في عدم عودتهم الى أوطانهم، وتمسكهم وتأثرهم بالدين والعادات والتقاليد في دول الهجرة.
بدورهم يؤيد عدد من الشباب فكرة الهجرة الى الخارج، بسبب ضآلة فرص العمل، كما أن الفرص المتوفرة لا تلبي طموحاتهم، فضلا عن أن تحقيق رغباتهم هو “أمر صعب” في بلدهم.
ويقول نادر (25 سنة)، إن تدني الأجور، هو سبب رئيسي لهجرة الشباب، في ظل سوء الأحوال الاقتصادية وغلاء المعيشة، إذ أصبح الشباب الأردني مقيدا، وأمامه الكثير من الحواجز التي تحول بينه وبين تحقيق طموحاته، موضحا أن اعتماد شهادة خبرة العمل في بلاد الغرب عامل مهم في الحصول على وظيفة مميزة في الأردن عند العودة للبلاد. ويرى نادر أن تلك الأسباب تشجع الشباب على الهجرة، معربا عن تأييده لهجرة الشباب من أجل تحقيق طموحاتهم ورغباتهم، والبحث عن الأفضل، بخاصة أن الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءا، على حد تعبيره. يشار إلى أن تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج، انخفضت بنسبة 5.8 % خلال العام 2011، بحسب الدائرة المالية للموازنة العامة.