خاضت المرأة السعودية بجدارة العمل والدراسة في مختلف مجالات الحياة، لا سيما بعد تمكين الرؤية المباركة لها، وتسليحها بالعلم والخبرة، وفتح المجال أمامها لاقتحام اختصاصات لطالما كانت حكراً على الرجال.
وعلى الرغم من محاولة بعضهم تحبيطها والتقليل من دورها في بناء مجتمعها، إلا أنها تجاوزت كل العوائق، بل واستطاعت الابتكار في كل مكان عملت ودرست فيه، ووضعت بصمةً لا تنسى، جعلتها محط أنظار العالم.
ولعل أبرز مجالٍ، أثبتت فيه المرأة السعودية جدارتها مجالُ الابتكار الإداري، حيث أكدت على قدراتها وما تتميز به من ذكاءٍ عبر تقديم عديدٍ من الابتكارات الجديدة، ونيل أرقى الشهادات العالمية.
ويبرز من بين المبتكرات السعوديات في هذا المجال معدية أحمد رديف، مدير الابتكار في مدينة الملك سعود الطبية واختصاصية الجودة سابقاً واختصاصية التمريض والكوتش في تطوير الأعمال والابتكار والوعي المالي، التي انضمت إلى حملة مجلة سيدتي “لمتنا سعودية”، وتحدثت عن أهمية دور النساء في الابتكار والقيادة في المجال الصحي.
المرأة وإدارة الابتكار
بدأت معدية رديف الحديث عن المرأة السعودية في مجال إدارة الابتكار بشكل خاص، وقالت: كان أحد الأبواب التي فُتِحَتْ أمام المرأة هو إدارة الابتكار والتعزيز لها، فيما نرى أن هذه الكلمة أصبحت دارجة كثيرًا في عدة إدارات وأقسام، ولكن نعلم أن الابتكار ليس فقط تطويرًا في نظام تعامل إداري أو استحداث قسم كما جرى العمل عليه؛ فالابتكار أكبر من ذلك بكثير، فهو يعالِج هدرًا ماليًّا وبشريًّا، حتى في الموارد الذاتية للمنشآت وغيرها الكثير، كما أن الابتكار يساعد على استحداث تقنيات جديدة تعالِج إشكاليات قديمة بطريقة فعالة مؤثرة، لكن عيبه في إدارته بطريقة بيروقراطية بحتة؛ حيث تمت ملاحظة أن أغلب الابتكارات إما تُقتل في مهدها وإما تُصادَر وتُسْلَب من مُبْتَكِرها، مما خلق جوًّا من الرفض لتقديم أي مساهمات من شأنها خدمة المنشآت، خصوصًا أن الابتكار يحتاج إلى الدعم المالي والإداري، بل يُعَدَّ ذلك من المعوّقات في وجه الابتكار، وهو كأي توجُّه داخل البلد يحتاج إلى وضع خطط تطويرية وتصنيعية، وإشراك القطاع الخاص في تلك الخطط يُعتبر من الحلول، وجعل المبتكِر شريكًا في تلك التطورات، وإن نشأ عن الفكرة عائد مادي فلِمَ لا يكون المبتكر شريكًا في الربح، وبذلك يكون هنالك تشجيع على صناعة الفكر والابتكار، وفتح مجال أوسع لنقلة أكبر.
تمكين المرأة
والمرأة لها دور كبير في تنمية الابتكار والمهارات، فلا ننسى أنها المربية والصانعة للأجيال، فهي تبدأ منذ الصغر في تنميتها ورعايتها حتى تصل بتلك البذرة إلى الذروة، ولا أنكر دور المربية في المدارس، وأوصيها بتعزيز ذلك في طلابها. وإنني أدعو جميع النساء للانضمام إلى فريق “سيدات الابتكار”؛ لندعم بعضنا ونقدِّم طرحًا يناقش ويبدي الحلول لما بين أيدينا من جميع الجهات والعلوم والمدارس، فقد شاهدتُ في سنوات عملي أن تمكين المرأة في العمل والاستثمار خلق تحرُّكًا للمال الراكد في البنوك، وأدخل العنصرُ الأنثوي طابعًا مختلفًا على جوانب العمل، فكلنا نعلم أن المرأة تهتم بالتفاصيل بشكل أكبر، وتدقِّق، وبطبيعة الحال اهتمَّت بالتفاصيل، وقامت بالتطوير والتحسين.
تجربة نجاح
لمستْ معدية خلال عملها في المجال الصحي أن وجود المرأة في الابتكار والقيادة له العديد من العوائد الإيجابية على تغيير استراتيجية المنشأة والاستثمار أيضًا، مؤكدة أنه لا يجب على النساء أن يُحْبَطْنَ جراء ما يَسْمَعْنَه، حيث قالت: قيل لي في بداية عملي إن سمراوات البشرة لن يحصلن على مناصب، وإنني كسمراء من منطقة الجنوب، وتحديدًا جيزان، يعني أنه ليس لي مكان وسطهم، ولكني أكدت بالنجاحات المتوالية أنها مجرد آراء شخصية وانطباعات نفسية، وفي كل مرة كنت أسمع أن الفتاة لا تأخذ مناصب، كل ذلك الحديث كان بالنسبة لي دعوة للفضول والتجربة وتحدي تلك الأفكار، والواقع أنني اكتشفتُ أن كل ذلك محضُ أوهام وقيود خلقَها المجتمع للحَدِّ من وصول وتطوُّر المرأة، ففي مسيرتي المهنية، كان المطلوبُ هو الاجتهاد وجعل الأهداف والمعايير تتناسب مع طبيعة المجتمع السعودي المُحَافِظ ومع تعاليم ديننا، وهذا ما أوصلني إلى ما أنا عليه الآن، وليس الجنسُ ولا لونُ البشرة ولا المذهبُ الديني عائقًا، بل هي أوهام ومعتقدات نشأت داخلنا منذ الصغر، ورُوِيَتْ بأيدي أهلنا باعتقادهم أنهم يحموننا مما في الخارج، ولا ألومهم؛ فتلك كانت رؤيتهم للحفاظ علينا، ويرون أنه واجبهم، ولهم منَّا كل الاحترام والتقدير، وفخورة بكوني خريجة تلك العقول؛ فقد خلقتْ داخلي الإصرار والعزيمة والثقة. ومن النساء اللاتي ألْهَمْنَنِي في حياتي: الدكتورة خيرية السقاف، دكتورة اللغة العربية في جامعة الملك سعود، والدكتورة إيناس بنت سليمان العيسى، مديرة جامعة الأميرة نورة، والدكتورة وفاه اليوسف، نائب الرئيس التنفيذي للتطوير المؤسسي بالتجمع الأول، فلهُنَّ مني كل الشكر والتقدير.