افتقدت هوليوود في السنوات العشر الماضية مواهب عدة؛ ممثلين كانوا منذ 20 عاماً يعيشون عصرهم الذهبي، وهم نيكولاس كيج وبروس ويليس وكيفن كوستنر وكيانو ريفز وميل غيبسون. نيكولاس كيج هبط مستواه دون سابق إنذار، وانتقل من منافسات الأوسكار إلى المنافسة على أسوأ الأفلام، وويليس هبط تدريجياً، لكنه قد يفاجئنا بفيلم جميل بين سلسلة أفلام سيئة؛ كما فعل في Surrogates، أو البدلاء في 2009، ولووبر في 2012. أما كيفن كوستنر فضيّع اتجاه سيره وأصبح «يرقص» مع صناع أفلام أكشن الدرجة الثانية إن لم يكن الثالثة في السنوات الأخيرة. كيانو ريفز عاد بقوة في جون ويك منذ عامين، ثم ضاع مجدداً قبل أن يذهب لتجديد عقده مع جون ويك 2 العام المقبل. لكن يبقى هناك اسم واحد افتقدته هوليوود أكثر من كل الأسماء الأخرى، اسم ذهبي له صيته ووزنه، اسم يرن موهبة وبراعة أمام الكاميرا وخلفها، ذلك هو ميل غيبسون، سلاح هوليوود الفتاك لـ20 عاماً.
سمات مميّزة
عندما انطلقت مسيرة ميل غيبسون كممثل، كان يتمتع بسمات مميزة عدة، أولها موهبة تمثيلية ليس لها مثيل، ووسامة ممزوجة بقساوة ملامح، وكاريزما متوازنة جداً؛ إذ يستطيع تقمّص شخصية الصالح أو الخبيث أو المتوعد. بكلمات أخرى كان الرجل يشع نجومية شكلاً وموهبة.
غيبسون كان يتمتع بأكثر من ذلك؛ إذ خدمه الحظ في الأفلام التي شكلت مرحلة انطلاقته، مثل ماد ماكس 1979، وThe Year of Living Dangerously عام 1982، فالأول كان معداً ليكون فيلم أكشن عادياً، لكنه حقق نجاحاً منقطع النظير، والأول والثاني معاً يتمتعان بنصين ذكيين وطاقة محسوسة في التفاصيل ميّزتهما عن بقية الأفلام المشابهة التي تلتزم بالمعادلة العامة.
وأيضاً خدمت غيبسون تحالفاته مع صانعي الفيلمين المذكورين آنفاً، مثل جورج ميلر وبيتر وير، بغضّ النظر عن المصادفة في كونهما قادمين إلى هوليوود من صناعة الأفلام الأسترالية، وكون غيبسون أميركياً عاش فترة طويلة من حياته في أستراليا. المهم أن غيبسون لعبها بطريقة صحيحة.وعندما خطى غيبسون خطوته الكبرى، وأصبح الرقم الصعب في هوليوود بتحوّله إلى سلاحها الفتاك 1987-1998، فقد دشّن بذلك عصره الذهبي الذي بلغ ذروته بعد فوزه بأوسكار أفضل مخرج عن فيلم قلب شجاع 1995، الذي أدى دور البطولة فيه أيضاً.أفول غيبسون بدأ تدريجياً من بعد الفيلم الحلم بالنسبة له «آلام المسيح» عام 2004، الذي كتبه وأخرجه وأحدث جدلاً كبيراً ودعوات لمقاطعته، خصوصاً من قبل اليهود الذين وجدوا فيه اتهاماً صريحاً لهم بقتل المسيح (الفاتيكان برأ اليهود رسمياً من تلك التهمة عام 2012، وكانت هناك أقاويل أن فيلم غيبسون كان أحد أسباب ذلك اللغط، لكن لا دليل على ذلك).استمر أفول غيبسون شيئاً فشيئاً رغم إخراجه فيلم أبوكاليبتو عام 2006، ومما فاقم أزمته إدمانه على الكحول، وإطلاقه تعليقات عنصرية وأخرى معادية للسامية؛ ما دفع هوليوود إلى مقاطعته، وانحصرت أدواره في أفلام دراما عادية أو أكشن هابطة.تفوّق كامل اليوم نحن أمام فيلم جديد لغيبسون؛ ويبدو أنه اختار المركبة نفسها التي عاد بعض زملائه المذكورين هنا من خلالها أو حاولوا العودة؛ أي أفلام الأكشن. فيلمBlood Father «بلود فاذر» من إخراج الفرنسي جان فرانسوا ريشيه، وهو الرجل الذي كان خلف ملحمة Mesrine عام 2008 من بطولة فينسينت كاسل. وأيضاً أخرج إعادة فيلم «الهجوم على مركز الشرطة 13» عام 2005.يبدأ الفيلم بلقطة لصورة فتاة (17 عاماً) على ملصق عن الأشخاص المفقودين، ثم لقطة لحزام تمرير البضائع في سوبرماركت، إذ نرى علب رصاص، ثم لقطة للفتاة، واسمها ليديا (إيرين موريارتي)، التي كانت على الملصق وهي تشتري تلك الرصاصات. تأخذ الفتاة الرصاصات إلى سيارة بانتظارها في الخارجـ وفي السيارة نرى صديقها جونا (دييغو لونا).ثم يظهر الوجه الذي ننتظره جميعاً (ميل غيبسون) مليئاً بالتجاعيد حاضراً جلسة علاجية لمجموعة مدمني كحول (إسقاط على نفسه) وهو يؤدي دور مجرم سابق اسمه جون لينك. لينك لم يتعاطَ الكحول منذ عامين، ولديه صديق يرعاه يدعى كيربي (وليام إتش ميسي)، ويمتلك لينك عربة ضخمة يستخدمها كمأوى، ويدير فيها محلاً لرسم الوشوم.يرنّ هاتفه والمتصل هي ليديا، التي يتضح لنا أنها ابنته، وتطلب مساعدته بعد تورّطها في جريمة مع عصابة مخدرات. يذهب لينك لإحضار ابنته، وبعد أيام عدة تجدها العصابة وتهاجم عربة والدها، حيث تحدث مواجهة مسلحة تنتهي بقرار لينك الفرار، والتعامل مع العصابة بطريقته الخاصة.الفيلم المقتبس من رواية بالاسم نفسه من تأليف بيتر كريغ (ابن الممثلة سالي فيلدز) الذي شارك في كتابة نص الفيلم ينجح في تجاوز كليشيهات علاقة الأب والابنة التي «أبدعها» ليام نيسن في أفلام تيكن. ويأخذ منحى فيلم آخر شاهدناه العام الماضي، وهو Run All Night أو «هروب طوال الليل» (من بطولة نيسن أيضاً)، حيث يرتكز على هروب لينك مع ابنته من العصابة، وليس مطاردة لينك للعصابة لاسترجاعها.ريشيه يهمّش الأكشن ويركز على الدراما أكثر، وتلك حكمة منه لإيقانه بأنه يمتلك موهبة غيبسون التمثيلية الفذة بين يديه. غيبسون بدوره حمل الفيلم بأكمله بأداء جميل جداً افتقدناه في الماضي، ويندر أن نشاهده في هذا النوع من الأفلام، ويمكن القول إنه تفوّق على نيسن وريفز وكيج من ناحية الأداء تفوقاً كاملاً.