يخرج أهالي الجنوب الشرقي التونسي في الأيام المشمسة من كل فصل شتاء إلى السهول المجاورة لقراهم، للبحث عن نبتة “اللازول” النادرة، فترى جموعا من النساء والأطفال وحتى الرجال منتشرين هنا وهناك، متوجهين بنظرهم نحو الأرض في تركيز تام، نظرا لصغر حجم النبتة والتصاقها الشديد بالأرض.
واللازول نبات بري ينمو دون تدخل الإنسان، وهو من عائلة البصيليات، له أوراق رفيعة وزهرة بيضاء تظهر في فصل الربيع في آخر مراحل نمو النبتة، مع ثمرة بيضاء تشبه الثوم في جذعها، وله رائحة نفاذة ومذاق حار يجمع بين مذاقي البصل والفلفل.
تنمو النبتة بشكل كبير في شمال أفريقيا وخاصة الجنوب الشرقي لتونس، ويتهافت الأهالي على التقاطها خاصة في فصلي الشتاء والربيع، لفوائدها العلاجية والغذائية، فهي نبتة موسمية نادرة، لذلك يحرص الجميع على جمع ما استطاعوا منها قبل أن تنفذ.
جمع نبتة اللازول يتطلب دقة كبيرة وتركيزا عاليا بسبب التصاقها الشديد بالأرض
عادة موسمية
ينتظر أهالي الجنوب الشرقي -ولا سيما منطقتي مدنين وتطاوين- الأيام المشمسة بفارغ الصبر للخروج والبحث عن نبتة اللازول وجمعها في جو دافئ نظرا لصعوبة الجمع عندما يشتد البرد، فهي نبتة رقيقة جدا ملتصقة بالتربة ولا يمكن جمعها إلا بالأيدي.
ويحتاج جمع النبتة إلى تركيز تام ورحابة صدر، فبعد ساعات طويلة من البحث لا يجمع المرء سوى حزمة صغيرة، بينما عادة ما تكون المهمة أسهل بالنسبة للأطفال، نظرا لأناملهم الصغيرة وروح التنافس فيما بينهم التي تدفعهم لجمع المزيد، مما يجعل الأهالي يصطحبونهم معهم في أيام الإجازات.
ولا يكاد يخلو مطبخ بالجنوب الشرقي بتونس من علبة “لازول”، وتقول جازية -وهي من سكان المنطقة- وحزمة اللازول في يدها “جمع اللازول شاق لكنه ممتع في الوقت نفسه، ومذاقه اللذيذ يدفعنا للحرص على جمع أكبر كمية ممكنة”.
وتجمع ربات البيوت نبات “اللازول” في شكل حزم صغيرة، ثم يأخذنه إلى البيت حيث يتم تنظيفه من الشوائب والأتربة العالقة بجذوره، ثم يطحن في المهراس فيصبح عجينة خضراء متماسكة ذات رائحة نفاذة ومذاق لاذع، ثم يضعنه في أوان بلورية ويسكبن عليه قليلا من زيت الزيتون أو يخلطنه مع الفلفل الأحمر والملح لتخزينه.
اللازول نبتة ذات أوراق رقيقة ملتصقة بالأرض ولها فوائد طبية عديدة
فوائد غذائية جمة
يضع سكان المنطقة نبتة اللازول في كل الأكلات تقريبا خاصة الوجبات الشتوية، فهم يؤمنون بأنه مضاد فعال لنزلات البرد والإنفلونزا ويقوي جهاز المناعة. يقول العم محجوب -وهو أحد سكان المنطقة- “اللازول أقوى مضاد حيوي عرفته في حياتي، فهو يشفي من نزلات البرد الحادة في ظرف وجيز وهذا الأمر جربته شخصيا”.
وتضيف جارته خديجة بلغة واثقة “اللازول أفضل من الأدوية الكيميائية التي لا تعد مضارها ولا تحصى، ونحن نعالج به عدة أمراض منذ زمن الأجداد والحمد لله نتمتع بصحة جيدة”.
ويباع اللازول في شكل حزم صغيرة في أسواق الخضر وعلى قارعات الطريق، وعليه إقبال كبير من سكان المدن المجاورة الذين يأتون خصيصا لشرائه، وأصبح يمثل مورد رزق بعض أطفال الجهة خاصة في الإجازات.
نسوة يجمعن اللازول
ولم يدحض العلم اعتقادات الأهالي حول الجانب الطبي للنبتة، فمعهد المناطق القاحلة بمدنين تحصل مؤخرا على براءة اختراع في اكتشاف أثبت أن نبتة “اللازول” دواء يقي من مرض سرطان الدم، بعد سلسلة من البحوث قامت بها الباحثة في المعهد حنان نجاع مع فريق عمل بالتعاون مع معهد باستور بالعاصمة.
يذكر أن نبتة اللازول باتت مهددة بالانقراض نتيجة الجمع العشوائي واقتلاعها من جذورها قبل فصل قطافها الأصلي في الربيع، بحسب الباحث في المعهد محمد النفاتي.