مَنْ يعلمُ يُعْلِمُ مَنْ لا يَعْلم: جلس الشيخ نصر الدين يوماً على منصّة الوعظ في أحد جوامع ((آق شهر))،
وقال: أيها المؤمنون، هل تعلمون ما سأقوله لكم؟ فأجابه السامعون: كلا، لا ندري.
قال: إذا كنتم لا تعلمون، فما الفائدة من التكلم، ثم نزل
وعاد فألقى عليهم نفس السؤال، فأجابوه، هذه المرة: أجل إنّا نعلم.
فقال: ما دمتم تعلمون ما سأقوله فما الفائدة من الكلام؟ فحار الحاضرون في أمرهم واتفقوا فيما بينهم، على أن تكون الإجابة في المرّة القادمة متناقضة، قسم يجيب: لا،
وقسم يجيب: نعم، ولمّا أتاهم المرة الثالثة، وألقى عليهم سؤاله الأول، اختلفت أصواتهم بين: لا ونعم فقال: حسناً جداً مَنْ يعلمُ يُعْلِمُ مَنْ لا يَعْلم.
الحمير: كان جُحا راكباً حماره حينما مرّ ببعض القوم، وأراد أحدهم أن يمزح معه فقال له:
يا جحا لقد عرفت حمارك ولم أعرفك فقال جحا: هذا طبيعي لأنّ الحمير تعرف بعضها.
حمام فوق المئذنة: دخل الحمّام يوماً وكان السكون فيه سائداً، فأنشأ يتغنّى فأعجبه صوته فحدثته نفسه
بأنه لا يجوز أن يبخل بنعمة صوته البديع
على إخوانه المسلمين، خرج من الحمام قاصداً الجامع حيث صعد إلى المئذنة وبدأ ينشد بعض التسابيح
فاستغرب الموجودون في المسجد من هذا الأمر،
وكان صوته خشناً مزعجاً فناداه أحدهم قائلاً:
“ويحك يا أحمق! مالك تزعج الناس بهذا الإنشاد بصوتك المزعج وفي مثل هذه الساعة؟”
فأجابه من أعلى المئذنة: يا أخي لو أنّ محسناً يتبرع لي ببناء حمّام فوق هذه المئذنة لأسمعتك من حسن صوتي ما ينسيك تغريد البلابل!
هاتها تسعة ولا تزعل: رأى في منامه أنّ شخصاً أعطاه تسعة دراهم بدلاً من عشرة كان يطلبها منه فاختلفا،
ولما احتدم بينهما الجدال انتبه من نومه مذعوراً فلم ير في يده شيئاً، فتكدر ولام نفسه على طمعها، ولكنّه عاد فاستلقى في الفراش
وأنزل تحت اللحاف ومدّ إلى خصمه الموهوم قائلاً: هاتها تسعة ولا تزعل!
الرأس: توجّه جحا مع أحد أصحابه إلى الصيد فرأيا ذئباً وطمعا في فروته،
فركضا وراءه إلى أن دخل في جحر، فأدخل الرجل رأسه كي يعرف مكان وجوده ويمسكه،
فقطع الذئب رأسه، وجحا واقف بجانبه ، رأى أنّ رفيقه لا يطلع، فسحبه إلى الخارج
وشاهده من دون رأس فافتكر في نفسه هل كان معه رأس أم لا؟
فعاد إلى البلد وسأل زوجة صديقه: اليوم حين خروج زوجك معي هل كان رأسه معه أم لا.
نواة البلح: رأته امرأته يأكل تمراً ولا يخرج نواه، فقالت:
ماذا تصنع كأنّي بك تأكل التمر بنواه؟!
فقال لها: طبعاً آكله بنواه لأن البائع وزنه مع النواة، ولو أخرج نواه لما باعه بسبع بارات،
أما وقد أعطيته الثمن دراهم بيضاً، فهل أرمي في الزقاق شيئا اشتريته بدراهمي؟!
الحصان والثور: دعاه تيمورلنك لركوب دابته والدخول في ميدان السباق ولعب الجريد،
فذهب إلى الإسطبل وركب ثوراً هرماً وجاء به، فلما رآه الناس ضحكوا وضجوا فسأله تيمورلنك:
كيف تدخل ميدان السباق بهذا الثور؟!
فأجابه جحا: إنّني جربت هذا الثور
فكان يسابق الطير في ركضه، فكيف يكون الآن؟! الحمار المخللاتي: أخذ جحا يبيع مخللاً، وقد ابتاع أدوات المخلل مع حمار المخللاتي،
فكان الحمار يَعرف البيوت التي تشتري منه، وكلّما نادى الشيخ:
مخلل مخلل، كان الحمار ينهق في تلك الأزقة المزدحمة ويغطي بنهيقه صوت جحا، فغضب منه.
وذات يوم وصل إلى محلٍ مزدحم، وأخذ الشيخ يُنادي: مخلل مخلل،
فسبقه الحمار إلى النهيق، فألقى جحا له المقود على عاتقه وحملق بعينيه، وقال: انظر يا هذا أأنت تبيع المخلّل أم أنا؟
طول الأرض:
قالوا لجحا يوماً: أنت عالم، فنرجوا أن تحل لنا هذا السؤال،
قال: وما هو؟ قالوا: الدنيا كم ذراع؟ وإذا بجنازة مارة، فأشار جحا إلى التابوت
وقال: هذا السؤال يرد عليه هذا الميت، فاسألوه لأنه ذرع الأرض وسار.
مذهب:
سأل جحا أحد جماعة تيمورلنك: ما مذهبك؟
فأجابه الرجل بعد أن وضع يده على صدره متواضعاً متذللاً:
الأمين تيمور كوركان فقال أحد الحاضرين:
اسأله يا سيدي من نبيه؟
فقال جحا: لماذا أساله، فإذا كان إمامه المعتقد تيمور الأعرج، فبالطبع يكون نبيه جنكيز السفاك.
سجود: سافر جحا إلى إحدى المدن ونزل في إحدى خاناتها، قال لقيم الخان:
يا أخي إني أسمع طول الليل قرقعة في سقف الغرفة
التي نمت فيها فيا ليتك تأتي بنجار ماهر ويكشف على أخشابها ليرى ما فيها فقال له القيم:
يا سيدي هذا البناء قوي لا يتهدم، وليس
ما تسمعه إلّا تسبيحاً بحمد الله الذي يسبّح بحمده كل ما في الوجود،
فأجابه جحا قائلاً:
صدقت وإنما خوفي العظيم من تسبيحه وتهليله لأني أخاف أن تدركه رقّة فيسجد سجدةً طويلةً على غير انتظار.
ضاع الحمار بمفرده:
ضاع حماره فأخذ يفتش عنه ويحمد الله شاكراً، فسألوه: لماذا تشكر الله، فقال:
أشكره لأني لم أكن راكباً على الحمار ولو كنت راكباً عليه لضعت معه.
الخرج: كان جحا ضيفاً في إحدى القرى فضاع خُرجه، فقال لأهل القرية:
إما أن تجدوه لي وإلّا فإنني أعرف ماذا أصنع،
وكان الفلاحون يعرفون أن جحا من أعيان البلدة، حاروا في أمرهم وصاروا يفتشون له عنه حتى وجدوه وردوه له،
فتقدّم أحدهم إليه وقال له:
ليلاً، فقام إلى الخزانة واختبأ بها، وبحث اللص عن شيء يسرقه
فلم يجد فرأى الخزانة فقال:
لعلّ فيها شيئاً ففتحها وإذا بجحا فيها،
فاختلج اللص ولكنه تشجع وقال: ماذا تفعل هنا أيها الشيخ؟ فقال جحا:
لا تؤاخذني فإني عارف بأنك لا تجد ما تسرقه ولذلك اختبأت خجلاً منك.
اللباس الطائر:
كان قميصه منشوراً على الحبل، فهبت الريح وقذفته إلى الأرض
فقال لنفسه: يلزمنا أن نذبح فديةً وقرباناً فسألته زوجته:
ولماذا؟! فقال: العياذ بالله لو كنت ألبسه لتحطمت.
لقب تيمورلنك: سأله تيمورلنك يوماً قائلاً:
تعلم يا جحا إن خلفاء بني العباس كان لكلٍّ منهم لقب اختص به؛ فمنهم الموفق بالله والمتوكّل على الله والمعتصم بالله وما شابه،
فلو كنت أنا منهم فماذا يجب أن أختار من الألقاب؟ فأجابه على الفور:
يا صاحب اللاشك بأنك كنت ستدعى بلقب نعوذ بالله.
اللغط والغلط: ترافق قاضٍ وتاجر في الطريق مع جحا، فقال القاضي لجحا:
من كثر لغطه كثر غلطه فهل غلطت يوماً وأنت تعظ؟
فقال جحا ببداهة:
نعم صادفت مرة أن خرج مني قاضٍ في الجنة بل قاضيان في النار، ومرة أخطأت فقلت أن التاجر بدل الفاجر لفي جحيم فأخجل الاثنين.