تسجيل الدخول

من كيس دقيق إلى كفن .. غزة تودّع “عماد الثاني” في نفس قبر شقيق

2025-08-09T11:00:55+02:00
2025-08-09T11:00:56+02:00
منوعات
manar9 أغسطس 2025آخر تحديث : منذ 8 ساعات
من كيس دقيق إلى كفن .. غزة تودّع “عماد الثاني” في نفس قبر شقيق

في صباح الخميس، السابع من الشهر الجاري، خرج عماد فرحات، ابن التاسعة عشرة، من منزله في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، بحثًا عن كيس دقيق يسدّ به رمق عائلته الجائعة.
لم يكن “عماد” يعلم أن هذه الرحلة القصيرة ستتحول إلى فصل دامٍ جديد في مأساة عائلته، وأنه سيكون الشهيد الثاني الذي تفقده والدته بالاسم نفسه، وفي العمر ذاته تقريبًا.
توجه شمالًا نحو منطقة قريبة من موقع “زيكيم” العسكري الإسرائيلي، حيث تنتظر آلاف العائلات الغزية المهددة بالجوع وصول قوافل المساعدات الغذائية التي تمنع قوات الاحتلال دخولها إلى مدينة غزة.
كان الأمل معلقًا بكيس دقيق واحد يزن 25 كيلوغرامًا، قد يعني وجبة لعائلة أنهكها الحصار والحرمان.
الابن المدلل
يقول أحمد فرحات، شقيق الشهيد الذي رافقه في رحلته الأخيرة: “بعد ساعات من الانتظار، دخلت شاحنات المساعدات من البوابة، فانطلق عماد، كغيره من الجوعى، نحو الشاحنات. فرح كثيرًا حين حصل على كيس الدقيق، لكن الفرحة لم تدم طويلًا، فبينما كان يحمله على كتفه، أطلق قنّاص إسرائيلي رصاصة أصابته في ظهره واخترقت صدره، ليسقط أرضًا وسط ذهول الجميع”.
ويتابع أحمد، وقد غلبه الحزن: “في البداية ظننت أنه تعب من المشي وسقط، لكن سرعان ما رأيت الدم ينزف من ظهره. حملته بين يدي وركضت به نحو مستشفى حمد، لكن للأسف كان قد فارق الحياة”.
من هناك، نُقل الجثمان إلى مستشفى الشفاء المدمّر بفعل الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع، ثم أُعيد إلى المنزل في مخيم الشاطئ، حيث انهارت والدته فور رؤيته. يقول فرحات: “كانت صدمتها أكبر من أن تُحتمل، فعماد لم يكن مجرد ابن، بل كان رفيقها و”ابنها المدلل” كما نصفه جميعًا”.
وبالقرب من أحمد، يجلس شقيقه محمد، ويروي لـ “فلسطين أون لاين”: “قبل 19 عامًا، وتحديدًا في 7 يوليو 2006، استُشهد “عماد الأول”، وكان يبلغ من العمر 16 عامًا، عندما كان يزور أحد أقاربنا في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، فاستهدف قصف إسرائيلي المنزل المجاور للمكان الذي تواجد فيه”.
ويضيف بصوت حزين: “أخي عماد الأول كان الثاني بعد شقيقي الأكبر، واستشهد وهو في سن الزهور، وبعد 3 سنوات من استشهاده رزقنا الله بأخ جديد، فقررنا تسميته على اسمه تخليدًا لذكراه”.
قبر واحد
لكن القدر شاء أن يتكرر المشهد ذاته: “بعد 19 عامًا، استشهد عماد الثاني، وهو في عمر مقارب، ولُف في الكفن ذاته، ودُفن في القبر ذاته، إلى جوار شقيقه ووالدنا الذي توفي حزنًا على عماد الأول”.
ويختم محمد حديثه بتساؤل موجع: “لماذا أُطلق عليه الرصاص؟ لم يكن يحمل سوى كيس دقيق. لم يشكّل أي خطر، لكن الاحتلال لا يفرّق بين مدني ومقاتل، ولا بين طفل وامرأة”.
استشهاد عماد ليس حدثًا فرديًا، بل جزء من مسلسل يومي من القتل والتجويع الممنهج في قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من 2.3 مليون فلسطيني تحت حصار خانق منذ بداية الحرب المستمرة على القطاع، والتي انطلقت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ويصفها حقوقيون ومنظمات دولية بأنها “إبادة جماعية”.
ومع تدمير المعابر ومنع دخول المساعدات، توقفت أكثر من 600 شاحنة كانت تدخل يوميًا إلى القطاع، ما أدى إلى مجاعة تهدد حياة الآلاف، خاصة الأطفال وكبار السن.
ورغم الدعوات الدولية لوقف العدوان، والقرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية، تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي حربها بدعم أمريكي، مستخدمة سياسة الأرض المحروقة والتجويع الجماعي.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، خلفت الحرب حتى الآن أكثر من 61,258 شهيدًا، و152,045 مصابًا، فضلًا عن 9,000 مفقود، وآلاف المشردين الذين يعيشون في ظروف إنسانية كارثية.
وفي ظل هذه الحرب الطاحنة، تودع غزة كل يوم أعزاءها، كما ودّعت “عماد” الذي حمل كيس الدقيق وعاد في كفن أبيض، ليلتحق بأخيه في قبر واحد، ويترك خلفه أمًا مكلومة وقلبًا مثقلًا بالفقد.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.