في عالم كرة القدم لا تكذب أعين المتابعين، ومحمد صلاح الموسم الماضي ليس محمد صلاح هذا الموسم، لا شكلا ولا موضوعا. بعد موسم من “التوهج” سجل خلاله نجم ليفربول الإنجليزي حضوره كأحد أفضل المحترفين العرب في أوروبا على مر التاريخ، واستأثر، في ظاهرة نادرة، بلقبي أفضل لاعب في الدوري الممتاز وهداف المسابقة، وصنع حوله الإعلام هالة كبيرة حذر الكثيرون من أن تتحول إلى فقاعة تضر النجم المصري أكثر مما تفيده. لكن المنحنى بدأ في الهبوط، وتحديدا منذ إصابة قوية، يراها كثيرون نفسية قبل أن تكون بدنية، تعرض لها ابن الـ26 عاما. العلامة الفارقة كانت يوم السادس والعشرين من مايو، صلاح ينزل إلى أرض الملعب الأولمبي في كييف منتشيا بمستواه المميز وأهدافه الغزيرة، ليخوض أهم مباراة ربما في حياته، فالخصم ريال مدريد الإسباني سيد أوروبا، والحدث نهائي أكبر بطولة للأندية في القارة، دوري أبطال أوروبا. يحمل صلاح فوق كاهله آمال الملايين من جماهير النادي العريق، ويحصن قلبه بدعوات المصريين المهووسين بنجمهم المحبوب، قبل أيام من مشاركة منتظرة في كأس العالم بعد عودة “الفراعنة” التاريخية للمونديال، لكن الطامة الكبرى تقع في الدقيقة 30. يتعرض صلاح لتدخل عنيف يبدو متعمدا من قائد الفريق الملكي سيرجيو راموس، ويغادر الملعب مجبرا لا يملك سوى دموعه، ليعلن النادي أنه يحتاج إلى عدة أسابيع للتعافي. لكن صيف صلاح الساخن لم يكن فقط بسبب إصابة الكتف التي ألمّت به، بل غذته أزمات متتالية مع الاتحاد المصري لكرة القدم. عطل في ماكينة الأهداف تعود الأزمات إلى عدة أشهر، لكنها انفجرت قبيل وأثناء مشاركة مصر في المونديال، ما بين أزمة التضارب بين رعاة المنتخب وصلاح، وغياب الأجواء التي من شأنها وضع لاعبي المنتخب في قمة تركيزهم خلال معسكر المونديال، فضلا عن اختيار مدينة بعيدة عن ملاعب المباريات للإقامة، وأخيرا توريط صلاح في لقاءات مع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، مما وضعه في شبهة “الاستغلال السياسي” من أجل تلميع صورة زعيم متهم بارتكاب انتهاكات حقوقية. وجاء الموسم الجديد، وانتظر الجميع أن يرمي صلاح وراء ظهره هذه المشاكل، ويعود لمسيرة التألق، لكن يبدو أن ماكينة التألق الأهداف لم تعد تعمل كما كانت. فبعد 7 مراحل من الموسم الجاري سجل صلاح 3 أهداف، إلا أن المسألة ليست مجرد شح تهديفي بعد غزارة الموسم الماضي، فالبطولة لا تزال في ربعها الأول، ولا يوجد لاعب يضمن التسجيل في كل مباراة، لكن الأهم فهو أن صلاح في نظر الكثير من المتابعين والمحللين فقد جزءا من حساسيته في التسديد والتمرير، وأصبح “وديعا” أمام شباك المنافسين يضيع الفرص السهلة، وكثيرا ما تفتقد لمساته الإتقان. فهل لما شهدته الأشهر الماضية من أزمات وتقلبات علاقة بتراجع مستواه في الموسم الجاري؟ تحدث موقع “سكاي نيوز عربية” إلى حمدي نوح، مدرب صلاح في ناشئي المقاولون العرب، النادي الذي قدم موهبته للدوري الممتاز وللكرة المصرية بشكل عام. أزمات نفسية “بالطبع أزمته مع اتحاد الكرة المصري لا تزال تؤثر عليه بشدة، وأي أزمة نفسية ستؤثر على مستواه. هو قدم أداء رائعا (الموسم الماضي) لكن لا يوجد لاعب يظل على نفس المستوى لفترة طويلة”، حسب رأي نوح مستشار كرة القدم بنادي المقاولون العرب، الذي أبدى أمله أن يعود صلاح إلى ما عهدته عليه الجماهير قريبا. ونصح نوح صلاح بأنه “كلاعب محترف يجب أن يدع الأزمات جانبا وينظر لمستقبله، ويكفيه حب الجماهير. هو مطالب بتقديم الكثير وإحراز الأهداف”. ولدى سؤاله عن تأثير التركيز الإعلامي الكبير على صلاح، تابع: “صلاح من بين أفضل 3 لاعبين على مستوى العالم. والاهتمام الإعلامي طبيعي وفي مصلحته”، لكن “عندما يزيد التركيز الإعلامي يؤثر عليه ويزيد الضغوط” لتقديم مستوى أفضل. وطالب نجم الكرة المصرية في السبعينات والثمانينات، صلاح بـ”الثقة في نفسه وفي الله، وعليه أن يدرك أنه من أفضل 3 لعيبة في العالم”. لكن الخبير الكروي حذر من شعور “الغيرة” الذي قد يصيب زملاء صلاح في ليفربول، وقال إن ذلك قد يعقد مهمته داخل الملعب. واستطرد: “في الأوقات الحرجة يكون للمدرب دور كبير. عليه أن يرفع معنوياته وألا يبقيه على مقاعد البدلاء مثلما حدث في لقاء تشلسي في الكأس الأسبوع الماضي. شارك لمدة 5 دقائق فقط ولم يمهله الوقت” لصنع الفارق، حسب نوح. إلا أن أوساسو أوبايومانا، الخبير في الكرة الأفريقية والمحرر ببرنامج “عالم الرياضة” على هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، له رأي مغاير. أسلوب محفوظ ويعتقد أوبايومانا أن “الموسم لا يزال في بداياته، ولا تنس أنه تعرض لإصابة هددت مشاركته في المونديال. عليه أن يعود بنفسه إلى قمة مستواه البدني، وهذا سيضعه بالتالي في تركيزه المطلوب. لا أعتقد أنه تعافى تماما من الإصابة”. وتحدث الخبير الرياضي عن سبب فني آخر لعدم وصول صلاح هذا الموسم إلى الأداء الذي قدمه الموسم الماضي، قائلا: “مدافعو المنافسين درسوا لماذا كان ناجحا وحاولوا اللعب بطرق تبطل أسلوبه. عليه أن يأتي بشيء جديد وجيد في طريقة وصوله إلى المرمى”. وعلق على أزمته مع الاتحاد المصري قائلا: “أعتقد أن الاتحاد عليه أن يحترم حقيقة أن صلاح لا يمكن أن الوجه الأساسي للترويج لمنتخب مصر لأنه لا يوجد عقد بين الطرفين. إنه عضو في الفريق واستخدامه للترويج يجب أن يكون بناء على كونه جزءا من المنتخب”. وتابع: “لديه الحق لأن يشتكي، حيث إن الطريقة التي استخدمت بها صورته (على الطائرة) لم تحترم حقه، لكن محاميه (رامي عباس) يجب أن يتحلى باللباقة في الطريقة التي يدير بها الأمر نيابة عن صلاح”. ويبدو أن أوبايومانا كان يلمح إلى لهجة عباس مع مسؤولي كرة القدم في مصر، التي أغضبت أعضاء الاتحاد المصري ووصفتها وسائل إعلام محلية بالعدائية، بعد أن وصلت إلى حد “التهديد”. وختم ردا على سؤال عن وجود صلاح وسط قوائم المرشحين لأكبر الجوائز العالمية، بالقول: “لا أعتقد أن الضغط الواقع عليه نتيجة وجوده (في القوائم) يمكن أن يؤثر عليه. بإمكانه أن يدير الأمور بالطريقة الصحيحة. على أي حال هو لا يزال يسجل لمنتخب مصر في تصفيات كأس أمم أفريقيا”.