الإسلام يُعدّ الإسلام دين يسرٍ لا دين عسرٍ، ومن تيسيرِه أن جُعل للّذين يَعجزون عن أداء بعض الفرائض لسببٍ مشروع كالمرض والسفر وغير ذلك مَخارج يَخرجون من خلالها من دائرة الإثم والعقوبة، وقد فرَّق الإسلام بناءً على ذلك من يَترك الفريضة لسببٍ ما عَمّن يَتركها تعدّياً أو تقصيراً منه. الصيام شُرع التسهيل كما تمّ التوضيح في بعض العبادات نتيجة ظروفٍ محدّدة بيّنها الشرع، ومن بين هذه العبادات الصيام؛ فقد شَرَع الإسلام للمُسافر، والمريض، والحائض، والنفساء، والمُرضع، والرجل والمرأة العجوزين الإفطار في رمضان، وجعل على المُستطيع منهم ضرورة القضاء، وعلى العاجز الفدية، فما هي فدية الصيام؟ وعلى من تجب؟ وما هي حالاتها؟ فدية الصيام تعريف الفدية لغةً واصطلاحاً الفدية في اللغة جمعها فِدْيات وفِدًى، وهي على معنيين: الأول: ما يُقدَّم من مالٍ ونحوه لتخليص أسيرٍ أو غيره، يُقال: دفعت أسرة الفتاة الفدية إنقاذًا لابنتها، والثاني: بمعنى كفّارة؛ أي ما يُقدَّم لله سبحانه وتعالى جزاءً لتقصير في عبادة، يُقال: صام ثلاثة أيام فِدية، قال الله سبحانه وتعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)[١]أي؛ فداء وعِوض
الفدية في الاصطلاح تُعرّف بأنّها البَدل الذي يُقدّمه المُكلّف ويتخلّص به من مَكروهٍ توجّه إليه
تعريف الصيام لغةً واصطلاحاً يُعرّف الصوم في اللغة بالإمساك، أمّا الصوم في الاصطلاح فيُعرّف بأنّه تَعبُّد المُسلم المُكلّف البالغ العاقل لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن المأكل، والمشرب، وسائر المُفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، مع استِحضار نيّة الصوم بشروطٍ مَخصوصة.
على من تكون فدية الصيام ذَهب الفُقهاء إلى إباحة الفطر في رَمضان لثلاثة أصناف على أن يقوم أصحابها بإخراج فدية الصيام، وهذه الأصناف هي:ا
لشيخ الكبير الذي يشق عليه الصوم مَشقّةً شديدة؛ فقد اتّفق أهل الفقه على إباحة الفطر في نهار رمضان للشيخ الكبير الذي يُجهده الصوم ويشقّ عليه الصيام؛ فإذا أفطر يتوجّب عليه إخراج الفدية عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، أمّا فقهاء المالكية فقالوا: يُندب له إخراج الفدية، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )
ولقول الله سبحانه وتعالى أيضاً: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )
الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على وَلديهما: اختلف الفُقهاء في وجوب الفدية على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على ولديهما؛ فذهب فقهاء الشافعية في أظهر الأقوال عندهم وفقهاء الحنابلة ومجاهد إلى أنّه على كلٍّ منهما قضاء ما أفطرتا من أيام وإطعام مسكين عن كلّ يومٍ أفطرتا فيه، مستدلين بما ذهبوا إليه بأنّ كلٍّ منها داخلٌ في عموم قول الله سبحانه وتعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )
أمّا فقهاء الحنفية، وعطاء بن أبي رباح، والحسن، وسعيد بن جبير، والزهري، والضحاك، والأوزاعي، والثوري، وغيرهم، والشافعية في قول عندهم بيّنوا أنّ الفدية غير واجبة على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على ولديهما، ولكن يُستحب لهما إخراجها، وذهب فقهاء المالكية والليث، والشافعية في قول عندهم إلى التفريق بين الحامل والمرضع؛ فقالوا: إنّ الحامل تُفطر وتقضي ما أفطرته من أيّامٍ ولا فدية عليها، أمّا المرضع فتفطر وتقضي ما أفطرته من أيام، وتُخرج الفدية عن الأيام التي أفطرتها، وذلك لأنّ المرضع بإمكانها أن تسترضع لولدها، أي يمكنها أن تُؤمّن له الحليب من مصدر غيرها، ولأنّ الحمل مُتصّل بالحامل، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها، والحامل إذا أفطرت لأمر فيها فهي كحُكم المريض، أما المرضع فأفطرت لأمر منفصل عنها فعليها الفدية.
المريض الذي لا يُرجى برؤه؛ فهذا يُباح له الفطر، لوجود وحصول المشقّة عليه في الصيام، فهو في حُكم الشيخ الكبير يجب عليه الفطر وعليه إخراج الفدية عن الأيام التي لا يصومها.
مقدار فدية الصيام ذَهب فُقهاء المالكيّة وفقهاء الشافعية إلى أنّ مقدار الفدية الذي يتمّ إخراجه هو مدٌّ عن كلّ يومٍ أفطره، وإلى هذا القول أيضاً ذهب سعيد بن جبير، والثوري، والأوزاعي، أمّا فقهاء الحنفية فذهبوا إلى أنّ مقدار الفدية الواجب إخراجه هو صاع من التمر، أو صاع من الشعير، أو نصف صاع من القمح، هذا عن كلّ يوم يفطره، أمّا فقهاء الحنابلة فقالوا إنّ المقدار الواجب إخراجه في الفدية هو مدٌّ من القمح، أو نصف صاع من التمر، أو نصف صاع من الشعير.
الفرق بين الفدية والكفارة في الصيام من الفروق بين الفدية والكفارة في الصيام:[٩] تجب الفدية على الّذي يعجز عن الصيام كالشيخ الكبير والمريض، قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )؛ فمن كان حاله كذلك ممّن لا يَستطيع الصوم فإنّه يَجوز له أن يُفطِر ويُخرِج عن كلّ يومٍ كان قد أفطره أثناء شهر رمضان فديةُ طعامِ مسكين، ويندرج تحت هذا النوع غير الشيخ الكبير المرأة العجوز الهَرِمة والمريض مرضاً مزمناً لا يُرجى شفاؤه، وأضافَ بعض العلماء إلى هذا الصّنف المرأة الحامل والمُرضع التي تخاف على ولدها فتفطر ثم تقضي وتُطعم مسكيناً حين استطاعتها القضاء، وفي ذلك خلافٌ بين العلماء؛ حيث إنّ الغالبية يرون أنّ الحامل والمُرضع إن أفطرتا في رمضان فليس عليهما إلا القضاء فقط. أمّا الكفارة فهي التي جاء ذكرها وبيانها في حديث أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال: (جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: هَلَكْتُ، قال: ما شَأنُك، قال: وَقَعْتُ على امرأتي في رمضانَ، قال: تَستطيعُ أن تُعتِقَ رَقَبَةً، قال: لا، قال: فهل تَستطيعُ أن تصومَ شهرَينِ مُتَتابِعَينِ، قال: لا، قال: فهل تَستطيعُ أن تُطعِمَ سِتين مِسكينًا، قال: لا، قال : اجلِسْ، فجلَس، فأُتِيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَقٍ فيه تمر (والعَرَقُ المِكتَلُ الضَّخمُ)، قال: خُذْ هذا فتَصَدَّقْ به، قال: أعَلَى أفقَرَ منا؟ فضَحِكَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بَدَتْ نَواجِذُه، قال: أَطعِمْه عِيالَك)
، والعَرَق هو القفة والمكتل ويسع خمسة عشر صاعاً وهي ستون مُدَّاً لستين مِسكيناً لكلّ مسكين مُدّ، وللكفّارة خصال ثلاثة هي: عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين دون أن يكون بينهما فاصل إلا من عذر شرعي كالمرض، وإطعامُ ستّين مِسكيناً لكلٍّ منهم مُدٌّ بمدِّ النبي صلى الله عليه وسلم فتَكون الكفّارةُ خاصّةً بمَن جامَع زوجته في نهار رمضان مُتعمّداً فقط، وقال بعض العلماء تجِب الكفّارة على من تَعمّد انتِهاك حُرمة صيام شهر رمضان سواء كان ذلك بالأكل، أو الشرب، أو الجماع. الكفارة واجبةٌ على التّرتيب؛ حيث يَجب على الّذي وَجبت عليه الكفّارة أن يبدأ بالعتق أوّلاً، ولعدم وُجوده في العصر الحاضر يَنتقل إلى الجُزء الثاني من الكفّارة فيَبدأ بالصيام، فإن عَجز عنه انتقل إلى الإطعام بأن يُطعِم ستّين مِسكيناً.