المسلمون هم جسدٌ واحد لا عدّة أجزاء، فهكذا أرادهم الله تعالى وهكذا أرادهم رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم -؛ حيث إنّ الرابطة التي تربطهم ببعضهم البعض هي رابطة الإيمان بالله تعالى وتوحيده، فلمّا جاء دين الله تعالى، كان العرب والعالم أجمع في فرقة كبيرة جداً فانتشرت النّزعات القبليّة والعنصريّة، وزاد احتقار بعض الشعوب في المجتمع لبعضها البعض، ممّا ساعد وبشكل كبير جداً على أن تنتشر الأعمال المشينة البعيدة عن الرّحمة كالقتل والحروب والاعتداء بغير وجه حق وما إلى ذلك من أعمال، وكل هذا لأنّ العرب في ذلك الوقت لم يكونوا يشعرون بأخوّة حقيقيّة تجاه بعضهم البعض؛ حيث كانت الفرقة على الأساس القبلي هي السائدة بينهم، ولمّا جاء الإسلام، جعله الله تعالى على يدي رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم – ديناً لهم جميعاً، فكان القاسم المشترك الّذي جعلهم متوحّدين كالجسد الواحد، فكانوا مع بعضهم البعض كالأخوة الحقيقيين وأكثر، وليس هذا فحسب، بل رفع الإسلام من شأن أشخاص لم تكن لهم أيّة قيمة كالعبيد على سبيل المثال، وجعلهم أخوة لمن كانوا يعملون معهم، وأسّس لإعتاقهم في مرحلة لاحقة؛ حيث إنّ العبوديّة كانت في ذاك الزمن أمراً طبيعياً في المجتمع فلم يكن بمقدور أيّة ديانة أو شريعة لا الشريعة المحمّديّة ولا ما سبقها من الشرائع أن تجتثّ هذه العبوديّة من جذورها، إلّا أنّ الشريعة المحمديّة وضعت البذور لذلك؛ حيث قلّلت المُدخل ووسّعت المُخرج، فلو استمرّ المسلمون على هذه الشريعة ولم يخالفوها لكان لهم فضل كبير على البشريّة إلى اليوم في إنهاء هذه السمة المجتمعيّة القميئة وإلى الأبد، وفي غضون سنوات بعد وفاة الرّسول – صلى الله عليه وسلّم -.
حق المسلم على المسلم نابع من أساس أخوتهم، فكما أنّ للأخوة حقوق على بعضهم البعض فإنّ للمسلمين حقوقاً على بعضهم البعض، وحق المسلم على المسلم يعني تلك الحقوق الّتي يجب أداؤها على المسلمين الآخرين إزاء شخصٍ مسلم يعيش معهم أو أيّ شخص مسلم آخر، فمن أبرز الحقوق الّتي على المسلمين تجاه بعضهم البعض حقّ حفظ المال والعرض والكرامة، وحقّ عدم التعرض لهم بالأذى، وحقّ الدفاع عنهم وعن مصالحهم وغير ذلك الكثير من الحقوق، وهذه الحقوق هي أيضاً من حق الإنسان على أخيه الإنسان، ولكن وبما أنّ المسلمين يعيشون مع بعضهم البعض في مجتمع واحد، فلهذا السبب قد تمّ توجيه هذه النداء الربّاني إليهم.