لم تكن المهمة سهلة على الإطلاق أمام فيشال سيكا عندما عين في يونيو/حزيران 2014 مديرا تنفيذيا لشركة “إنفوسيس” الهندية لتقنية المعلومات، إذ كانت المهمة الملقاة على عاتقه هي الارتقاء بشركة تصارع من أجل البقاء.
كانت “إنفوسيس”، ولوقت طويل، نموذجاً ومثالاً للشركات الهندية التي تقدم خدمات تقنية المعلومات، والتي تقدّر أعمالها بمليارات الدولارات، لكن نجم هذه الشركة، التي تتخذ من مدينة بنغالور مقرا لها، بدأ يأفل.
وأخفقت النتائج المالية للشركة في تحقيق توقعات السوق، كما انخفضت أسعار أسهمها بشكل حاد.
وكانت الشركة في وقت من الأوقات هي الأكبر بين مثيلاتها من الشركات الهندية. أما في تلك الآونة، فقد سبقتها الشركة المنافسة لها، “شركة تاتا للخدمات الاستشارية”.
ورغم ذلك كان أكبر قلق يساور سيكا هو هجرة العاملين بشركة إنفوسيس، فخلال الفترة بين أبريل/نيسان و يونيو/حزيران من عام 2104، ترك العمل في الشركة ما يقرب من 20 في المئة من موظفيها، وكانت تلك أعلى نسبة خسارة تعاني منها الشركة طيلة عمرها.
ولهذا فبالنسبة للرجل الذي كان يبلغ آنذاك 47 عاماً لم يشكل الأمر نوعاً من أنواع الضغط على الإطلاق. وكان سيكا أول شخص يُكلف بإدارة “إنفوسيس” من خارج طاقمها الإداري طوال تاريخ الشركة البالغ 35 عاماً.
ملهمٌ للعاملين
شغل سيكا، المولود بالهند ويحمل الجنسية الأمريكية، في السابق منصب المدير التنفيذي لشركة “ساب” الألمانية التي تعمل في مجال البرامج والتطبيقات.
ويقول سيكا إن أول مهمة له في “إنفوسيس” كانت وضع حد لهجرة الموظفين من الشركة ورفع معنوياتهم، علماً بأن عددهم يبلغ 193 ألفاً.
وخلال أسبوع من تولي مهام عمله قام بترقية ما يقرب من خمسة آلاف موظف، بما في ذلك زيادة مرتباتهم.
كانت تلك هي خطوة الإصلاح الفورية، لكن رؤية سيكا على المدى البعيد كانت تتمثل في تغيير أسلوب عمل “إنفوسيس” في الإدارة، والتحول من التركيز على خدمات قليلة التكلفة إلى جودة أعلى ـ إذا ما قدمت منتجا أو خدمة ذات نوعية أفضل فإنه يمكنك بشكل عام أن تطلب سعراً أعلى لما تقدمه.
وكحال جميع المنافسين في الهند في هذا القطاع، تعمل غالبية الشركات العاملة في مجال تقنية المعلومات لصالح زبائن في الغرب. وفي حالة “إنفوسيس”، تشمل قائمة عملائها شركة “أبل” الأمريكية العملاقة و”وول مارت”.
يقول سيكا: “تاريخياً، تدور الفكرة عموماً حول تقديم الطلبات وتنفيذ ما يطلب منا وإنجاز المشروعات”.
وأضاف: “الجميع يقدم نفس الجودة تقريباً، لكن من ينجز الأمر بتكلفة أقل هو من يحصل عليه (أي العقد).”
ولتغيير ذلك، أدخل سيكا فكرة يطلق عليها اسم “المسافة صفر” والتي يصفها بكونها “مبادرة تدعو لإلهام كل فريق من فرق العمل المنشغلة بالمشاريع في الشركة لكي تقدم ابتكاراً ما لزبائننا”.
ولمساعدتهم على إنجاز ذلك، أقامت الشركة ورش عمل بعنوان ’التفكير بالتصاميم‘ لعشرات الآلاف من العاملين. وشمل ذلك المهندسين الذين جرى تشجيعهم على ابتكار أساليب ذات فعالية أكثر لاستكمال مشاريعهم.
وحسب سيكا فإنهم قد وفروا حتى الآن أكثر من مليار دولار سنوياً.
’إبداع أكثر‘
قاد سيكا شركة “إنفوسيس” لإدخال أنظمة أكثر آلية، ويقول إن الشركة نجحت خلال الربع الثالث من عام 2015 في “توفير ما يعادل عمل 1100 من الموظفين بفضل التشغيل الآلي”.
ومع ذلك، بدلاً من تسريح أولئك العاملين جرى تكليفهم للقيام “بمهام أكثر إبداعاً وأعمال ذات قيم مضافة”.
وحسب سيكا فإن التحول للقيام بأعمال أكثر ابتكاراً هو من الأمور الحيوية. يعود السبب في ذلك إلى أن شركات برامج الكومبيوتر الهندية لا يمكنها الاستمرار بالاعتماد على كونها أرخص من تلك العاملة في الغرب.
ويقول: “التعامل مع التشغيل الآلي على أنه قاطرة للإنتاج والإبداع والوصول إلى حلول أفضل” هي من الأمور الأساسية.
المجال الآخر الذي غيره سيكا في شركة “إنفوسيس” هو زيادة تركيزها على الذكاء الاصطناعي، لابتكار روبوتات المستقبل.
يقول سيكا: “في السابق، كان يساورنا شعور بالقلق من أن تتحكم الروبوتات بالعالم، أما اليوم فإننا نتحدث عن سيارات بدون سائق، و آلات ـ كل شيء، من توربينات وطائرات وشاحنات ـ يمكنها أن تتوقع بنفسها حاجتها إلى الصيانة، وأرفف في المتاجر قادرة على إعادة تخزين وتصفيف المواد بنفسها”.
يعمل سيكا في الغالب من مكاتب “إنفوسيس” في ’وادي السيليكون‘ في كاليفورنيا. وكان، بالإضافة إلى ما سبق، قد سار بالشركة في طريق الاستحواذ والاستثمار في شركات أخرى، فخصص 500 مليون دولار أمريكي (360 مليون جنيه استرليني) للاستثمار في شركات تقنية مبتكرة في كافة أرجاء العالم، مثل شركة “كلاود إنديور” الإسرائيلية والشركة الأمريكية الناشئة، “ووب”.
تعريف واضح
نجح سيكا أيضا في تحسين الأداء المالي لـ”إنفوسيس”، فباتت الشركة الآن تنعم بأقوى نمو لها خلال خمس سنوات وتخطت نتائجها التوقعات المرتقبة للسوق. وكانت دورة المبيعات للأشهر الثلاث المنتهية في 31 ديسمبر/كانون الأول قد وصلت إلى 2.41 مليار دولار أمريكي، أي بزيادة قدرها 8.5 في المئة مقارنة بالسنة الماضية.
وفي نفس الوقت، انخفضت أعداد العاملين الذين يرحلون عن الشركة بصورة ملحوظة.
أما العائدات السنوية فقد وصلت إلى نحو 8.7 مليار دولار أمريكي، غير أن سيكا وضع هدفاً للشركة وهو أن تصل عائداتها السنوية إلى 20 مليار دولار بحلول 2020.
لا يؤمن الجميع بالقدرة على تحقيق هذا الهدف.
يثمن آرفيند رامناني، الذي يعمل كمحلل لدى مجموعة “غوردن هاسيكيت” للأبحاث المالية، عمل سيكا وما حققه من إنجازات في شركة “إنفوسيس” حتى الآن، لكنه يقول: “التعريف الواضح الذي وضعه سيكا فيما يخص الأولويات الاستراتيجية رفع معنويات الموظفين وثقتهم في أنفسهم، والتي كانت قد انخفضت بشكل ملحوظ، غير أننا نعتبر أهدافه المستقبلية بعيدة المنال”.
ومع ذلك، أُعجب مجلس إدارة شركة “إنفوسيس” بأداء سيكا، حتى إن المجلس مدد عقده من عام 2018 حتى عام 2021، علماً بأنه يحصل سنوياً على 11 مليون دولار أمريكي.