ثمانون يوماً تفصل الأردنيين عن انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، وسط ظرف استثنائي يعيشه العالم والمملكة؛ مع انتشار وباء فيروس كورونا.
هيئة الانتخابات الأردنية، حددت العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، موعداً للاقتراع، يختار الناخبون فيه ممثليهم للمجلس القادم، لكنها قررت مجموعة من الإجراءات التنفيذية، تراعي الصحة والسلامة العامة لمنع تفشي الفيروس.
ارتداء أقنعة الوجه والقفازات إضافة إلى التباعد الجسدي باتت جزءاً من حياة الأردنيين، إلا أن قرار إلغاء المهرجانات الانتخابية ومنع تجمع أكثر من 20 شخصا فيها، أمر غير اعتيادي، خاصة وأن الأخيرة كانت عنواناً يظهر للمرشحين مدى جماهيريتهم.
ومع تلك المستجدات رأى مراقبون، أن محاولة التأثير على المواطنين من قبل المرشحين، واستقطابهم بالخطابات الآسرة والرنانة، سيصطدم بالوضع الوبائي، خاصة مع إعادة تشديد الإجراءات الحكومية، بعد عودة تسجيل إصابات محلية.
وذهبوا إلى أن قوة البرنامج الانتخابي للمرشحين المقترن باستحداث آليات جديدة؛ لإيصال رسائلهم إلى قواعدهم الشعبية، سيكون هو العلامة الفارقة في الانتخابات المقبلة؛ إذ سيعتمد ذلك على مستوى وعي الناس وقناعاتهم بتلك البرامج.
** غياب المخالفات السابقة
ظاهر عمرو، الأمين العام السابق لحزب الحياة (تأسس عام 2008)، قال إنه من حيث المبدأ يؤيد التعليمات التنفيذية لهيئة الانتخابات؛ انطلاقاً من دورها في الحد من المخالفات التي جرت سابقاً، كإقامة الولائم وإنفاق المال السياسي لشراء ذمم الناس.
وبين في حديثه للأناضول، أن “السماح بإقامة التجمعات للمرشحين أو منعها، لن يغير من فكر الناس وانطباعها إزاء مجلس النواب”.
ولفت إلى أن التعليمات التنفيذية ما هي إلا “تزيين شكلي ومظهري وليس جوهري، لأن الجوهر في قانون الانتخاب”.
وجرت الانتخابات الأردنية الأخيرة عام 2016 وسط قانون جديد يعتمد على القوائم، عوضاً عن قانون “الصوت الواحد”، تقلص بموجبه عدد أعضاء مجلس النواب إلى 130 بدلاً من 150، وذلك بعد أن قسم القانون الجديد المملكة التي تضم 12 محافظة، إلى 23 دائرة، بالإضافة إلى ثلاث دوائر للبدو.
وتابع: “لدينا وضع وبائي صحي أهم من الأمور الأخرى، ولا ضرورة من الأساس لإجراء الانتخابات في ظل الوضع الحالي”.
ويشهد الأردن منذ بداية أغسطس/آب الجاري، انتكاسة وبائية، حيث بلغ عدد الإصابات المحلية المسجلة منذ السابع من الشهر أكثر من 200 حالة.
** تحديات المرشحين
حسين محادين، عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة (حكومية)، اعتبر أن القرار الملكي بإجراء الانتخابات مع بقاء الحكومة ومجلس النواب الحالي يشكل “تفرداً نوعياً” من منظور علم الاجتماع السياسي، في كيفية نظرة القيادة والدولة العميقة إلى ماهية الانتخابات المقبلة.
وأوضح في حديثه للأناضول، أن “تحديد عدد الجلساء في المقار الانتخابية وطبيعة التدخل في تفاصيل الأخيرة، من خلال اشتراط عدم تقديم الأطعمة فيها كما جرت العادة سابقاً، توحي ضمناً بجدية الدولة لمحاصرة ما كان يسمى بالمال الانتخابي”.
وقال محادين: “القانون الانتخابي يتولى حصر المنافسة بين أعضاء القائمة الواحدة، الأمر الذي يستشف منه صعوبة أن تستأثر قوى حزبية أو سياسية وحتى اقتصادية بأغلبية في البرلمان المقبل”.
وأردف: “هذا يؤكد أن التحديات أمام المرشحين لكسب الأصوات لم تعد سهلة كما كانت في الانتخابات الماضية، خصوصاً أن التكنولوجيا أصبحت عاملاً مهماً في تواصل المرشح مع الناخب”.
وحول أثر التعليمات التنفيذية الصادرة من هيئة الانتخابات على المرشحين، قال الأكاديمي الأردني: “لا أعتقد أنها كافية؛ لأن الدراسات العلمية تؤكد أن اللقاء الوجاهي بين المرشح والناخب يمكن أن يؤثر باتجاه تعديل توجهات الناخبين نحو المرشحين الذين قابلوهم وجاهياً وحاوروهم”.
وتابع: “تعليمات هيئة الانتخابات تشير ضمناً إلى تعديل وتحسين صورة العلاقة بين الناخب والمرشح، الذي شابها الكثير من التشكيك في شراء ذمم الناخبين من بعض المرشحين، كما يشاع”.
وزاد: “الولائم تمنح الأثرياء دون ميسوري الحال فرصة التأثير على بعض الناخبين، في ظل ارتفاع نسبة البطالة والفقر، ونتائج كورونا على هذه الشرائح”.
** الابتعاد عن الأطر التقليدية
من جهته، بيّن جهاد المومني، المتحدث باسم هيئة الانتخابات أن “التعليمات التنفيذية الخاصة بالدعاية الانتخابية تضمنت منع المهرجانات، لكنها لم تمنع المقرات، فهي ستكون موجودة وسنسمح بها ضمن ضوابط وشروط معينة”.
وتابع المومني في حديثه للأناضول: “هذه الشروط لا تمنع المرشح من أن يقدم برنامجه الانتخابي وأن يلتق بناخبيه، ولكن وفق التعليمات الصادرة عن لجنة الأوبئة”
وأكمل: “العدد نحن لا نحدده، ولكننا نضع قيود على المقرات من حيث توفر المعقمات ودخول الشخص إليها مرتديا الكمامة (قناع الوجه)، إضافة إلى أننا منعنا تقديم الأطعمة، إلا بحدود القهوة السادة في فناجين كرتونية، وعبوات مياه تكفي لشخص واحد”.
وأكد أن “السلامة العامة مهمة، ونحن نتقيد بتعليمات لجنة الأوبئة ووزارة الصحة، ولكننا لا نمنع الدعاية الانتخابية على أحد، الذي منعناه هو إقامة المهرجانات لأنها تعني التجمع، والتجمعات ممنوعة في كافة المناسبات”.
وفي رده على سؤال حول ما إذا ما كان الأردن أمام نقطة تحول في الانتخابات، أجاب المومني: “نعم، نحن في هذه الانتخابات نبتعد قليلاً عن الأطر التقليدية كالمجاملات والولائم، وكل الأمور التي تعودناها”.
وأرجع المومني ذلك إلى سببين، وهما جائحة كورونا، والثاني التشدد في منع المال الأسود من جهة أخرى.
وأوضح أن “الهيئة ستراقب كل الهبات والأعطيات، وكل ما يقدم من أجل التأثير على إرادة الناخب، ولن نسمح بهذا، وسنتشدد في هذه الانتخابات أكثر من أي وقت مضى”.
أما عن الطرق المثلى والآليات المناسبة لتحقيق مستوى عال من التواصل بين المرشح ومواطني دائرته، في ظل التعليمات الجديدة، أوضح المومني أن “أدوات التواصل تطورت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت أكثر تأثيراً على الناخبين”.
واستدرك: “لكننا لم نمنع التعامل بالطرق التلقليدية كاللوحات في الشوارع والشعارات التي ترفع، وتوزيع البرامج الانتخابية، لم نمنع أي دعاية انتخابية في إطارها القانوني وفي الوقت القانوني”.
واختتم: “لم يبدأ موعد الدعاية الانتخابية؛ لأنه لم يبدأ موعد الترشح للانتخابات، والذي تقرر في 6 و7 و8 أكتوبر (تشرين أول) المقبل، وبعدها تبدأ الدعاية الانتخابية”.
وفي يوليو/تموز الماضي، حددت هيئة الانتخابات المستقلة، يوم 10 نوفمبر المقبل، موعدًا لانتخاب مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) الـ19، بموجب مرسوم ملكي.
والانتخابات المقبلة عادية، بعدما أنهى مجلس النواب الحالي، الذي انتخب في 20 سبتمبر/أيلول 2016، دورته العادية الأخيرة في 10 مايو/أيار 2020.
واستنادًا إلى الدستور، تُجرى الانتخابات البرلمانية في الأردن خلال الشهور الأربعة التي تسبق انتهاء عمر مجلس النواب الحالي (في سبتمبر المقبل)، لكن إجراءات مكافحة كورونا أدت إلى تغيير في المواعيد الدستورية.