مجموعة تضم 52 طبيبا وممرضا كوبيا وصلت إيطاليا قبل شهر ونصف، ملوحين بأعلام البلدين، للمساعدة على وقف انتشار فيروس كورونا بمنطقة لومبارديا، الأكثر تضررا من الجائحة.
ومع وجود 60 ألف إصابة وأكثر من 5 آلاف وفاة في ذلك الوقت، كانت إيطاليا في حاجة ماسة إلى طواقم طبية إضافية للتعامل مع الأزمة.
وإثر وصول البعثة الطبية، كتب سفير هافانا في روما خوسيه كارلوس رودريغيز، عبر وسائل التواصل: “ها هم في لومبارديا (شمال) أطباؤنا وممرضونا، جاؤوا من كوبا، متضامنين وملتزمين بعمل الخير للمحتاجين، دون تمييز”.
مزايا كوبا
في الوقت الذي تكافح فيه حكومات العالم من أجل التعامل مع هذا الوباء، يبدو أن لكوبا جانبا مشرقا.
“جامعة جونز هوبكنز” التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، ذكرت أن “كوبا التي يبلغ عدد سكانها 11.5 مليون نسمة، سجلت 1467 إصابة فقط، و58 وفاة”، وفق حصيلة سابقة (حتى صباح الأربعاء، سجلت كوبا 1685 إصابة بينها 69 وفاة).
في الأثناء، يوجد أكثر من 30 ألف إصابة، ووفاة أكثر من 1200 في ولاية فلوريدا الأمريكية التي تبعد 103 أميال فقط عن كوبا.
فارق قد يجد جذوره في قطاع الرعاية الصحية الكوبي الذي حظي بأولوية منذ ثورة فيدل كاسترو، منتصف القرن العشرين.
وبموجب النظام الاشتراكي، يعمل جميع الأطباء لمصلحة الدولة، كما أن نظامي الرعاية الصحية والتعليم يتبعان القطاع العام ويقدمان خدماتهما بالمجان للشعب.
وهناك 8.2 أطباء لكل ألف شخص في كوبا، وهي واحدة من أعلى النسب في العالم، وفق البنك الدولي.
وتشتهر البلاد بتركيزها على الوقاية والرعاية الصحية المجتمعية والتأهب لمكافحة الأوبئة.
و تقول الخبيرة في الشأن الكوبي بجامعة غلاسكو الاسكتلندية هيلين يافي، إن أحد العناصر المهمة في النظام الصحي لدى هافانا تكمن في “نهجه الشامل”.
وتضيف: “الأطباء يذهبون من باب إلى باب يتعرفون أحوال الناس وظروفهم في منازلهم، ويتأكدون من أن لديهم سجلا حديثا لأوضاعهم (الصحية)، ما يعني أنه إذا كان في هذا الحي أو ذاك أي تفشٍ للوباء، فإنهم سيعرفون من هم المرضى المعرضون للخطر بشكل خاص”.
وعلاوة على نظام الرعاية الصحية القوي، يتفق العلماء على أن دواء كوبيا يمكن أن يكون فعالا في علاج كورونا.
هذا الدواء مضاد للفيروسات يسمى “إنترفيرون ألفا-2 بي”، تم استخدامه في علاج حمى الضنك والتهاب الكبد “بي” و”سي”، وفيروس نقص المناعة البشرية ـ الإيدز، ويتم إنتاجه في الصين من قبل المشروع الكوبي الصيني المشترك “تشانغ هيبر”.
في الأثناء، لا تزال البعثات الطبية الكوبية أو جيوش “المعاطف البيضاء” تصل إلى بلدان مختلفة بالعالم للانضمام إلى المعركة ضد كورونا.
طلب مرتفع
في 2005، عرض الرئيس الكوبي حينها فيدل كاسترو، إرسال 1500 طبيب إلى الولايات المتحدة للمساعدة في جهود الإغاثة عقب كارثة إعصار كاترينا في مدينة “نيو أورلينز”.
ورغم أن واشنطن رفضت المساعدات، إلا أن مجموعة من المتخصصين في الرعاية الصحية تشكلت تحت مسمى “لواء هنري ريف الطبي”، وساعدت في الخطوط الأمامية خلال أزمات مثل وباء إيبولا في غرب إفريقيا، والزلازل والكوليرا في هايتي، ونيبال (عام 2015).
وعلى مر السنين، قامت كوبا بإرسال أكثر من 400 ألف من المؤهلين في المجال الطبي في بعثات إلى 164 بلدا.
وعام 2017، مُنحت المجموعة الطبية (هنري ريف) جائزة الدكتور لي جونغ ـ ووك التذكارية للصحة العمومية، والتي تقدمها منظمة الصحة العالمية.
وللمساعدة في احتواء جائحة كورونا، غادر أكثر من 1455 طبيبا كوبيا في 22 لواء إلى 21 دولة من بينها إيطاليا، وأندورا، وجامايكا، وبليز (من دول منطقة الكاريبي)، وفق وزارة الخارجية.
شيزوفرينيا أمريكية
يبدو أن البعثات الطبية أصبحت أيضا مؤخرا موضوع نزاع بين كوبا والولايات المتحدة، التي اتهمت هافانا بالتورط في تهريب البشر، وحثت الدول التي تطلب مساعدات طبية من الأخيرة على وضع نهاية لما اعتبرته واشنطن “انتهاكات العمل”.
وفي 25 مارس/ آذار الماضي، قال مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في وزارة الخارجية الأمريكية، عبر تويتر: “تحتفظ حكومة كوبا بمعظم الراتب الذي يتقاضاه أطباؤها وممرضوها أثناء خدمتهم في بعثاتها الطبية الدولية، فيما تعرضهم لظروف عمل فظيعة”.
وفي هذا الشأن، تعتبر يافي، أن في خطاب الحكومة الأمريكية “محاولة للقضاء على مصدر للعائدات يحافظ على استمرار الحكومة الكوبية”.
وتتابع: “إنهم (الأمريكيين) من ناحية يفرضون حصارا يهدف إلى جعل الشعب الكوبي يعاني، ومن ناحية أخرى يقولون إنهم قلقون إزاء ظروف المسعفين”.
وتعمل بعض البعثات الطبية الكوبية في البلدان مجانا، فيما تدفع دول أخرى من أجل الحصول على خدماتها الطبية.
ويختلف الراتب الذي يدفعه البلد طالب الخدمة لكل وافد كوبي ضمن البعثة، ولكن الأطباء يحصلون على 20 ـ 25 في المئة من الراتب، وهو ما يزيد على ما يتقاضونه في بلدهم.
فيما يذهب الباقي إلى الدولة التي تستخدم الدخل لتمويل نظام الرعاية الصحية في البلاد.
وتمثل البعثات الطبية المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي لكوبا، لا سيما في سياق الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة على البلاد منذ 60 عاما، وخلال أوقات الجائحة التي لا تتلقى فيها البلاد إيرادات سياحية.
والعام الماضي، نشرت الحكومة الكوبية إحصاءات تجارية أظهرت أن الخدمات الطبية تشكل 46 في المئة من الصادرات، و6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وطلبت كوبا تنحية العداء جانبا في خضم وباء كورونا، الذي أودى بالفعل بحياة نحو 255 ألف شخص في جميع أنحاء العالم في غضون أربعة أشهر.
وجاء في بيان صادر عن الخارجية الكوبية، في 16 أبريل/ نيسان الماضي، إنه “بدلا من تعزيز التعاون والاستجابة الجماعية، يكرس كبار المسؤولين في الخارجية الأمريكية وقتهم لإصدار بيانات تهدد الحكومات التي تمارس سيادتها في مواجهة الوباء وتقرر طلب مساعدة كوبا”.
الحصار أثناء الوباء
الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على كوبا تسبب في نقص الإمدادات الطبية والغذائية والوقود ما قبل كورونا، إلا أن هافانا لا تستطيع حتى الآن الحصول على معدات الحياة في سبيل مكافحة المرض.
وجاء في بيان وزارة الخارجية، أن “أي شخص لديه ذرة من اللياقة سيفهم أن الحصار يضع ضغوطا ملحوظة على كوبا لضمان المدخلات المادية والمعدات التي تدعم نظام الرعاية الصحية العامة وتلك المطلوبة خصوصا للتصدي لهذا الوباء”.
ودعت كوبا الأمم المتحدة وأعضاء البرلمان البريطاني وبلدان الاتحاد الأوروبي، إلى إزالة جميع الحواجز التجارية الدولية ورفع العقوبات المفروضة عليها، لكن دون جدوى.