ابتُدأت السورة بآية: “تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” صورة تعظم الله وتنزّهه عن كل نقص، فالله وحده الذي يملك كل شيء بيده الملك وحده وإليه يرجع الأمر هو الذي بيده كلّ شيء ولا يعجزه شيء، وجعل الموت والحياة فتنة وابتلاءً لعباده ليعلم المحسن من المسيء، وإن كان يبتلي الإنسان بها جميعاً فهو يقبل توبة العاصي وأوبته فيغفر ويصفح فالله هو العزيز ليس كمثله أحد، ثمّ يتحدّث لنا الصنعة المتقنة خلق السماوات السبع بلا خلل أو عيب وبلا ميزان فيرفعها، كما ورد في الأثر بأنّ موسى عليه السلام سأل الله: أتنام يا رب؟ فأجاب الله عزّ وجلّ: “لو نمت لسقطت السماء على الأرض”.
التوعّد للكافرين يرد في سورة الملك أيضاً الحديث عن الكافرين وما أعدّ الله لهم من عذاب أليم في الآخرة بعد ندمهم وحسرتهم على ما فات وإقرارهم بذلك، ويأسهم من أصنامهم من عدم قدرتها على نفعهم فيضرب الله لهم بذلك الطير في رزقها وتوكّلها على ربها، ومن مشاهد الحياة إلى مشاهد يوم القيامة حيث البعث بعد الموت الذي يقيمه على من أنكروا ذلك، وفي نهاية السورة يختم الله لنا ببيان موقف الكفار وما كانوا عليه من تمنٍ لموت النبيّ المصطفى وزوال دعوته، فيرد الله عليهم أنهم سيلاقون مصيرهم المحتوم وحينها سيعلمون أي جرم ذاك الذي فعلوه.
فضائل سورة الملك للقرآن وتلاوته فضائل لا تعدّ ولا تحصى، فقد بيّن لنا النبي أجر قراءة حرف من القرآن فهو بعشر حسنات، كذلك ما للقرآن من آثار نفسية عميقة في قرارة نفوسنا فهو أفضل الحلول للتخلّص من الهمّ والغمّ، ومن فضائل القرآن أنه نور في الحياة وفي الممات ويوم القيامة، وإن كان الله جعل للقرآن تلك الخصال الفريدة فقد خصّ بعض السور بشيء من الفضل، والتي نذكر منها سورة الملك، كما وردت فضائلها فيما تناولته الأحاديث النبوي الشريفة في كثير من المواضع ومن ذلك ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله قال: “إنّ سورةً من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له تبارك الذي بيده الملك “، ومنها قوله صلّى الله عليه وسلّم: “سورة من القرآن خاصمت عن صاحبها حتّى أدخلته الجنة تبارك الذي بيده الملك “، كذلك: “من قَرَأَها كل لَيْلَة مَنعه الله بهَا من عَذَاب الْقَبْر”، ومن السنة الفعلية ما روي عن النبي أنّه كان لا ينام حتّى يقرأ سورة السجدة وسورة الملك.
نرى هنا هذا الفضل العظيم لها، فهي تنجي صاحبها وتمنع عنه عذاب القبر، تُحاجّ عنه إذا جاءه الملكان ترافقه كذلك يوم القيامة فلا تتركه حتى تدخله الجنة، كل هذا يستوجب أن نلتزم بها ونتمثل ما تضمنته في حياتنا فهي جاءت لتقرّ بنفوسنا أن الملك الحقيقي لرب العزة وأننا جميعنا عبيد في حضرته، كذلك تذكرنا بحقيقة الاختبار الذي سينتهي ويبقى لنا ما قدمنا، ضرب لنا دلائل ومشاهد من عظمته فواجبنا هنا التفكر والتدبر في عظيم خلقه فنصبح أكثر إيماناً وخشيةً له، ويبين لنا في موقف من الرهبة حال الكافرين يوم القيامة لنزجر قلوبنا، حتّى بلغت بنا أن الطير ترزق بتوكلها على الله ونحن أولى بذلك، وفي مشهد ذكر النعم يذكرنا لعلنا نتعظ إننا عنها محاسبون فنحسن إليها فهي إلى الله مستردة يوماً.